الرسالة الرابعة

0

سـتـقـرئـيـن أسـرار الــطـَّـبـيـعـة مــــنــذ الـــيـــوم ,
و سـتـقـرئـيـن مـا أنـت بـحــاجــةٍ إلـيــــه مــن فــلـســفــةٍ عــمــيــقــةٍ
لا تــشــعـــريـــن بــــحاجــتـــك إلــيـــهــا ,
فـــأنـــت تـــعــتــقــديـــن أنَّــــك صــاحــبـــة فــلــسفـةٍ ثريَّةٍ ليِّنة ,, أو خصبةٍ بــيــِّـنـة ...
و إنَّكـ لـــكــذلـــكـ
إلاَّ انَّ فـــلـســفــتــكـ هــــذه
مـــرفـــوضــــةٌ في مــذهـــبــي ,
مـــدحـــوضـــةٌ أدلــَّــتـُـهــا ,
 لا يـــمـــكــن الـــبــرهـــانُ عــلــيــهــا بـــوجـــهٍ واحـــدٍ
 مــــن أوجــــه الـــمـــنـــطـــقِ الأصـــولي السَّليم
 في عـــالــمـــي 



مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الرسالة الثالثة

0

أعدكـ أن تقرئي كلَّ الكلمات الَّتي استطعت قراءتها في حزن عيوني ,
 و التي لم تستطيعي قراءتها
فأوحت لكـ بها تنهُّداتي و شجوني ,
و لكنَّكـ ستقرئينها هذه المرَّة على صفحاتٍ جديدة ...
خذي مثالاً أوراق الشَّجر المتساقطة ...
و هاكـ آخر خدود الورد و أزراره ,
على شطآن السَّماء ، و على مناديل الغيم البيضاء ,
و في عيون الفتيان و الفتيات , و الرِّجال و النِّساء ,
 حتَّى ليخيَّل إليك, أنَّ بكلِّهم وجدٌ و صبابةٌ و حنين … 
 


مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الرسالة الثانية

0

تـسـلَّـقـي سـُـــلــَّــم الــــمـجـد ,
و اعــتــصــمــي بـحـبـل الــــكـرامـــة ,
و اعـــتــلــي بـــنـاءَ الــعـــزَّة و السُّــــؤدُد ,
فــــقــد فــشـــــل الـــكـــثـــيــرون بـــالــــكـثـيـر
 مـــن الـــمــحـاولات
جــاهـــلـــيـن أو مــتـــجــاهلــيــن أنــَّــهـــم فشـــلـــوا
كي تـــنـــجـــحــي وحــدكِ حـبـيـبـتـي ...
أنــا لـــكِ كـــلُّ تــــلــك
فـــلا تــقــنـَــطي و لا تـــحـــزني و أبشــــري بـالــجـــنَّــة الـَّتـي كـنـتِ تــوعدين
أنــا ولــيُّـــك في الـــحـــيـــاةِ الــــدُّنـــيـــا و في الآخـــرة
إن شاء الله ربُّ العالمين ...
  

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الرسالة الأولى

0





يمين الله إنّك لأكثر امرأةٍ عرفتها عناداً و تعنُّتاً ...
 و ما أردتك إلاَّ كذلك
و كما أردتك كذلك فكنت ...
فستكونين أكثر امرأةٍ عرفتها يسراً و لينا .
فتَعَالي قدر ما شئت ...
و تكبَّري و تطاولي فأنت جميلةٌ كذلك ...
 بل لست جميلةً إلاَّ كذلك…

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

رُبَّما

0


ورُبَّما كان جمالُك وهمٌ وبنيانُكَ حُطام
ورُبَّما جُعِلتَ على مِنصَّةِ الحياةِ مُجرَّدَ وبالٍ على هذا الزِّحام
فزدتَ على كتابِ الطَّهارةِ بابَ "الانسلاخِ من عيشِ الهوام"
وكنت كأنتَ فأنتَ العيّيُّ الغبيُّ السَّفيه
وأنت الشريدُ الطَّريدُ القعيد
وأنتَ الأسيرُ الكسيرُ الحسير
وأنت في البدء المُلامُ وفي النهاية المُلام
لأنَّك فقيرٌ , ويكفيك عيباً بأنّك فقير.




 مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

فهرس سن الأسطورية

0
=المرحلة الأولى
-الفصل الأول 
-الفصل الثاني
-الفصل الثالث 
-الفصل الرابع 
-الفصل الخامس 
-عودٌ على بدء 
=المرحلة الثانية
-الفصل الأول 
 -الفصل الثاني
-الفصل الثالث
-الفصل الرابع
-الفصل الخامس


مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

عود على بدء

0

هذا يومٌ لم يزلِ البين فيه يقضُّ مضجعي و يهوي بعزيمتي و يسرق من مشاعري ما أعرفه و ما لا يتبين حتى مع الرجل الحكيم ذي النظر النافذ و الإحساس المرهف و الإلهام الذي يعلو كلَّ إلهامٍ في بني البشر إلا إلهام النّبيين و أولياء الله المقرّبين
هذا يومٌ اهتزّت به شجرة طالما اعتنيت بها و سمدتها و أزلت عن تربتها كلَّ أذى و عن أغصانها كل قذى فأتى الربيع و لما تزهر شجرتي و حال عليها الحول و لم أر لها ثمرا ناضجا حلواً يذوب كالصَّمغ في الحلق قبل المضغ أجعله قوتي لي و لأهل بيتي و أرائي به كل عدو و حاسد و عذول
هذا يومٌ ما عرفت أنه يوم حتى أتى صباح غده و لم يك لي فيه قوة و لا حول إلا ما أمدني به رب الوجود الذي ملكني بفضله ملكاً أكاد احسب أن لم يكن لأحدٍ من قبلي حتى رأيتني لا أبدله بتاجٍ مرصّعٍ يعقد لي على أطراف الأرض و أقاصيها و أصقاعها كلها فما أن بلغت ذلك المقام بحوله وجدتني أزهد حتى فيه خوفاً من حياةٍ لا نهاية لها و لا حد يصلى بها الكافر في الجحيم إلى الأبد ذلك المعنى الذي لا يكاد يستطيع إدراكه عقلنا نحن البشر في هذه الحياة الفانية التي مهما طال فيها عمر الرجل فلا بد يوم على آلة حدباء محمول خارجاً من هذه الحياة منتقلا إلى دار الخلود التي لا فناء فيها و لا رقود و لا زمان فيها و لا سنين فأيُّ الحياتين أحقُّ أن نوليها منا اهتماما و انشغالاً أهذه الحياة الأبدية السرمدية أم تلك التي لا يساوي ملكها عند مالكها جناح بعوضة و لو ساوت ذلك القدر الضئيل لمنعها عن عدوه !!
هذا يومٌ استكملت فيه -أو كدت- الخروج عن هذه الحياة الماديةَّ التي لا بد للمؤمن  من خوضها حتى يلتحق بدار السلام التي يدعوه فيها ملكها بـ "من الحيِّ الذي لا يموت إلى الحيِّ الذي لا يموت"
بهذا اليوم الذي كنت قبله ألهث ثلاثين عاماً حتى أبلغه فأشمخ بكمال الأسطورة التي رسمت لي معتزا مفتخرا بذلك العرش الذي وهبته فأنقته و زينته و زركشته وأوشكت فيه على استلام الحكم الذي قدر لي و تنفيذ المهمة التي أنيطت بي و البدء في إشهار سيف دولتي و رفع راية الحقِّ الذي طفقت أتعلم أبجديتها طوال تلك السنين
حتى إذا بلغت ذلك اليوم وتبصَّرت فيما يكون بعد إتمام هذه الأسطورة الغريبة المحببة التي أضحت قريبةً من كلِّ نفسٍ و تساءلت فيما يكون بعدها المصير و إلام يكون المنقلب و هل أكون إلى فوز كبير أو إلى خسران مبين ذابت عندها تلك القصة الكاملة كما يذوب الشمع في النار و رحت أتفكر في قدرة القدير و عظمته و جبروته رحت أستجلي قدر عقابه و شدة عذابه و جليل انتقامه و عظيم بطشه فيمن كفر و ارتدَّ عن الصِّراط الذي هداه فنكب عنه و ارتدّ إلى هواه و اتبع شهواته وأخلد إلى الأرض فما انتفع بعلمه و لا بما آته الله من فكر و رأيٍ و عقل
وظللت كذلك ليل نهار أكاد ان ارى جهنم و أحس لفحها و أتخيل ذلك الموقف العصيب الذي يفر فيه المرء من أمه و أبيه بل و يفتدي المجرم من عذابه بأخيه و صاحبته و بنيه
ذلك يوم بتُّ أتفكر بأهواله حتى جننت أو كدت فانطرحت أرضاً حتى صار العذاب عذابي لا يقارن بعذابٍ في هذه الحياة الدنيا  أقول ذلك و ليس قولي من باب الإغراق أو المبالغة الشعرية أو الأدبية وإنما لو قيس عذاب الفكر بذلك اليوم بأشدِ عذاب في الدنيا لكان هذا دونه
وأنا الذي كنت أثق بعفو الله و غفرانه و لكن ...
و لكن ماذا لو أنَّ هذا الاتكال كان تواكلا و ماذا لو كانت هذه التقوى رياء و ماذا لو كان ذلك الإيمان باللسان لا في القلب ؟؟!!!
ماذا لو كان و ماذا لو كان و ماذا لو لم يكن
فمن ينجيني من هول موقف لا تكون النجاة فيه إلا بيد واحدٍ أحد !!
فلقد أمسيت أتخوف من العلم بعد أن كنت نهما فيه لا يكاد الكتاب يفارقني حتى خلال نومي سويعات أو تناول طعامي دقائق معدودات فإن كان ذلك فلا بد أنني تاركه للتفكر في محتوى واحد أو نقد آخر أو إعجاب بثالث أو في رسم قصيدة و استنباط معنى جديد يكون في جيد الأدب جوهرة يتيمة و صرت أحسد العامة وأشباه العامة على سذاجتهم حتى لكثيرا ما أتمثل قول أبي الطيب :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
و أخو الجهالة بالشقاوة ينعم

أمَّا الحبُّ ...
    ذلك المعنى الروحاني الشفاف الذي طالما قد كان لي المتفسح الوحيد إذا ما أثقلتني الهموم ففررت إليه حتى من همومه
    و لجأت و احتميت بأسواره و حصونه معتصما بحبل الله و محبوبتي التي لا يكاد طيفها يفارقني و لا أفارقه فقد بات في هذا اليوم شبحاً ضبابيا رماديَّ اللون يكاد فوق البلاط الأسود يسيل
و أرهقت روحي أيما إرهاق و انزويت عن المحبين انزواء جديدا و أبعدت نفسي عن مجامع العشاق و رحلت دون طلب الرحيل و استنزفت قواي دون طائل و لا ميل وفي كل ناحية وعلى كل قبيل
و صارت أية عادة أعتادها لئيمة كريهة مشئومة و كل إشارة أتلقاها و لو كانت كل البشر لهي في مذمومة أتلقى المراسيل من الشياطين والأبالسة و قد كنت بالأمس أستلمها من الملائكة استلام اليد باليد  فأي عذاب إلا و هو العذاب الذي فيه أقضي ديمومة مطلقة تقضي على أجزاء التفاؤل المصحوب بالخجل و تحيل كل رائحة في أنفي رائحة نتن مميتة إن لم يقتلني التبغ كادت هي القاتلة
عذاب ما شهدت على ما عانيت من كل عذاب له نظيرا و لا شبيها
و علمت حينها و تيقنت انفصال روحي عن البدن حيث أنّّ هذا في النعيم مقيم و تلك في العذاب الذي لا يفارقها و لا تفارقه النكال الأليم و تعاظمت الهوة في كل لحظة فيما بينهما حتى صارا عدوين لدودين
و استنزفت قوة القلم و مداده ذلك السائل الإبريزي و أشعة ضوئه الفضية المنسكبة على كراسات العلم و المعرفة و الحكمة العالية الرفيعة و ابتعد عني و ابتعدت عنه و وجل مني و أغضيت منه فما يجمعنا يقظة و لا منام و صارت كل بشرى و إشارة لديَّ هي بمعنى نذير الشؤم لا أستطيع تبينها و لا قراءتها إلا كذلك و احترت فما تنفك الحيرة ملتصقة بي
و هام كل مجد أدركته أو أنا موقن بإدراكه و ابتعد و تلاشى فما عاد له في ذاتي معنى ولا هيئة و لا رسم
و زهدت بكل لحن عزفته و كل لوحة أبدعتها و كل مصنف و مؤلف و نظم فما يحبب إلى نفسي شيء و قد أحبت قبل كل شيء تلك النفس التي كانت ترى في عدوها  صديقا محتملا مرتقبا و في عذابها نعيما اقتربا
و في فقرها غنى و في بؤسها هناءة و في البين و صلا و في القرِّ عافية و في الحمى مطببة شافية و في البعد قربا و في الذل لله عزا رفيعا و في الانحناء له  حصنا منيعا
تلك النفس التي أضحت لا تعلم للتشاؤم رسما ولا هيئة باتت لا تدرك للتفاؤل معنى و لا صورة
فأين غبت كل تلك وأين راحت ثمَّ أين أين؟!
ربما أنك لا تصدق لو قلت لك أن القمر الذي كان يوحي لي قصائد و فرائد في الحب و الجمال و الفلسفة و الدلال أمسى أحد أسباب تشاؤمي و انفلاتي في حظيرة العذاب و إن شعاعه ذلك الذي كان يذهب عني في الصيف حره و في الشتاء قره فيسبغ علي حلة و رداء جميلا جليلا في ظاهر جسدي و في فؤادي و على قلبي و أوردتي و أعصابي و أهدابي حتى على ألفاظي و أنغامي لما أدندن بها أو أرسمها على بريق شعاعه المنبعث في الدجى لقد صار هذا الشعاع كأنه وهج جهنم على روحي قبل جسدي و على حشاشتي قبل ظاهر جلدي
نعم النجوم التي كنت أعدها لأهدي كل واحدة منها لحبيبة أحببتها في ماضي سني حياتي أو أنظم منها قلادة أو سبحة أجعلها في عنق حبيبيتي لقد صارت كأنها لي شهابا رصدا يذيقني من عذاب أليم فيدمر كل ما لي و كل ما أتيت به  أو خلفته ورائي حتى الشمعة التي كانت طالما ترافقني في ليالي الطوال أناجيها و أناغيها و أبثها تارات ما بي من حر الجوى و أطوارا ما اجد من وجدي للحبيبة أو من ألم في هجرانها أو أعلمها الأمل و تعلمني الصبر و التضحية فيستخلص كلانا في كل سهرة كتابا جليلا قد ينشره في الضحى كل منا في أمته فيقرؤوه ويفيدوا منها ما لم يفده كائن بشري و لا كائن شمعي
تلك الشمعة أمست لي رمزا للعذاب و آية في احتراق القلب و الروح معا في غابة تتحد فيها أغصان أشجار الألم العظيمة
حتى الفراشة و العصافير و الأزاهير
شجيرات الورد و أغصانه المائسة
شمس الضحى الدافئة
الأسماك الصغيرة و القطط الوديعة المحبوبة و الطفل الوليد الرضيع
في أثناء كل ذلك و حنايا و تضاعيف كل تلك أقرأ علامة الشقاء و التعاسة المستديمة التي لا مناص منها و لا نجاء
حقا أقول لقد عشت خارج هذا السور المكاني المحيط بنا الذي أسلفت عنه في بدء كتابي هذا و لم أكن قد تخيلت و لا ألهمت و لا توقعت حينها أن كيف سأخرج عن هذا الإطار الهوائي الشفاف المكتنز العريض
تاركا ورائي جسدا فانيا تسري به بقية من روحي لتبقيه على بقية من الحياة و لو أنني أقولها على المصطلح المتعارف عليه فيما بين البشر إلا أني لست اجد لذلك حقيقة عندي و إنك لتجد في النائم خروجا لروحه يسمى موت جزئي تكون فيه الروح خارج جسده بمقدار تبقي فيه رمق الحياة إلا أنك لو آذيت جسده و لو بطرف دبوس لانتبه من غفوته تلك بل حتى لو أدنيت من عينيه مصباحا لرأى في منامه ربما أنه ينظر في الشمس أو قربت منه شعلة لرأى أنه يتحرق بنار و ما شاكل ذلك في حالة النوم و مفارقة الروح الجسد
أما في الانفصال الطارئ عليَّ فما عدت أجد مما يجده النائم في حالاته تلك شيئا
و ليت شعري فمن يكترث لكل ذلك ممن حولي حتى أنني ما عدت أجد ذلك الحبل المتصل بيني وبين قرائي الذين كنت أبثهم جل ما يحل بي بل أقول و ما عساهم نافعي أو مخلصي من تلك البلوى و ذلك المصاب و الوصب
و بعد أن عدت من تلك الرحلة الزمنية في أعماق التاريخ و أدراجه  غائصا متشعبا بين رجالاته و خرافاته و ما اجتمعت بكل ذلك على من قد أصيب بمثل مصابي و لا ذاق شيئا من فوادحي و أوصابي

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الفصل الخامس

0


و عاودت الحبَّ و معانيه و عاودتني أحاسيسه و خيالاته بعد ذلك طويلا و انهدم بين ذلك وذلك جسدي و قواي و صرت أطلب في كل ذلك مزيدا من هذا و ذاك لا أسيغه و إنما أمجه بعد إساغته و فيفيض بي نبعٌ عذب فرات سلسبيل يتيح لي من كل جانب و جهة مجالا و صولة أنال بها ما أنال من عذاب لذيذ و ألم مستحب لنفسي فأتوه على ذلك بين أزاهير الخريف الذهبية الجميلة و أنضوي تحت شجيرةٍ يابسة الأفنان تبعث في المزيد من الأشواق و الأشجان و كأنني ما ذقت من ذلك طول تلك الأيام و انبعث في الأمل جديد كأني ما ذقت من الأهوال شيئا أو كأن المحب قد كتب في تاريخه المستقبلي أن يبقى متنقلا يجوب و يخوض فيايفي الغرام و لجج الهيام لا يزيده كل ذلك إلا ظماً و لإي شيء إنما لما يظميه فيطغيه فيعود و يعود
و مشيت لا أهاب الخضم العتي َّ المصم و لا الليل البهي المدلهمَّ أن يضفي في نفسي شيئاً من شوقٍ إلى خوفٍ أو إلى حب تقهقر و انهزام من ميدان المعركة التي يقاتل فيها تحت لواء الولاء و الطاعة لخصمه يتبين له في كل جولة حبه لهذه المعركة و مناه في انتصارهما جميعا لا ترجح كفة لأحدهما في ذلك السبيل
فأي مجد ذلك الذي يسعى إليه المحب و أي عذاب يفر منه فيفترُّ ثغر الزمان عن ابتسام لهما بوطأة سيفه و صهوة جواده الذي لا يزال يحبو به نحو العلا حبوا
واستمر الطيف في الهجر القريب ذلك الهجر المعذب الذي يكون فيه الطيف هاجرا حاضرا و إنما يتستر بغشاءٍ من ذنوب المحب الحقيقية أو المتوهمة أو المدعاة من قبل الحبيب
و أفعى الشكوك بل وثعابين الوهم لا تزال بينهما تنفث سماً فيزيغ منه قلب الحبيبين
و لا تكاد تنير في تلك الظلم منارةٌ إلا و تسارع الشياطين في إخماد ذلك النور و إذهاب ذلك الأمل عن الدرب فيعودا لما كانا عليه
و يستمر الطيف في عتابه من غير أن يشعر محبه بوجوده بل يرسل كل ذلك عن طريق حديث نفسه و لومها مجنبا الحبيبة أو طيفها أي لوم أو عتاب و إنما ليبقى يعذب نفسه بنفسه و يجدد توبته فيتجدد أنينه من ذنبه الذي أتاه عظيما
و لا يكون و ربك الذنب عظيما و إنما كذلك توهمه الحبيبة أو الطيف أو هما معا ليعود فيعود
و كذلك بقيت طويلا من توبة إلى توبة و من عتاب إلى لوم إلى عذاب متنقلا متقلبا لا أفتئ كذلك حالي حتى خلال سويعات أقضيها متناوماً أو مدعي النوم
و كذلك يبقى المحبون....
و أي عذاب بربك أشق و أمر وأحر من ذلك العذاب الذي تدرك فيه أنك أنت المعذب المعذب لا تنفك تستلذ عذابك لنفسك و إيذاءك لها و إيلامك إيَّاها و كل ذلك أنت فيه أداة طيعة لطيفها المتواري عن بصرك و بصيرتك خلف ذلك الستار الضبابي الوهميِّ المتسدِّل على نور طيفها
و لكن...
حتام يستمر ذلك و حتام تطيعه و تنصاع لإرادته بل حتام يبقى متوارياً متخفِّيا بشيء هو من خلقه ليس له في الحقيقة وجود و إن كان له ثمة وجود فهل إلى إظهاره و إبرازه من سبيل في تلك الفوضى العارمة التي تجتاح أحاسيسك و كيانك و مشاعرك و كلك!!
إلا سبيل واحدة قد تستطيع فيها التخلص من كل ذلك في أن توحي لنفسك أن هبي من ذلك الذل و التصاغر أمام ذلك الجرم الذي أتيته جسيما
فتنسل من كل تاريخ قلبك كما ينسلُّ الخيط و ترميه وراءك ظهريا و تجثو هنيهة على قارعة ذلك الطريق أو تكبو على طرفه فتنتقي من أقدامك ما آلمك من الأشواك التي بت تدوسها برجليك غير مبال بل غير شاعر بإيلامها ووخزها إلا كما يشعر الطفل بدغدغة أمه في كفه تنسى كل ما مررت به من عذاب عذب و ذكريات حلوة طريفة و نفحات روحانية لا تستطيع أن تنساها حقيقة
و إنما تبقى في ذلك  لا تكل و لا تمل في البحث عن ذلك المخرج الذي أصف و أنت تداويها بالتي كانت هي الداء و إن كنت كذلك و تعتقد حينها أنها غير مدعية الحب و لا بائعة الهوى فتركد إلى النسيان أو الادعاء بذلك إن لم تستطعه فتسلو و تسلي نفسك حتى و لو كان السلو عنها بها و تريها منك ما أرتك حتى و لو لم تقدر عليه قلبا وقالبا أن تبديه في قالبك فقط
و استخدمت الدواء هذا الناجع الذي انتعشت بجرعاته الأولى و عادت لي البشاشة و السرور و القوة و الأمل
وانتحيت جانبا لا أصدق ما ادعي بل أقنع نفسي بكل ذلك رغما عنها حتى استلذذت به و قلت في ذلك سأقضي عشرة أيام بلا حب
فاعتزلت فيها الحبَّ و الطيف و الغزل و الذكرى و الطيف و الحنين و الشوق و كل أدوات الغرام و ألفاظ الحب و حتى الكتب التي تذكر في ذلك شيئا أو تعرض به و لو من بعيد في مديح أو إطراء ألقيتها في صندوق فركنته مع جملة الأغراض التي لا تعوزني الأيام لها إلا مصادفةً
عشت حياة رجل طبيعي أو لك أن تقول غير طبيعي
عشت حياة رجل خال من الهموم هموم الحب
و تركت نفسي على سجيتها ترسل وراء كل لحن رقيق شفاف يدخل من شقوق الباب الصفيق لدي في دار كتبي المظلمة الضيقة إلا عن الكتاب العريضة العتيدة
و أقعد وراء مكتبي فأنتضي اليراع شهاباً مستنيراً لا يذكر في أبجديته الباء لو سبقتها الحاء
كذي تاج و عرش و قصر عتيد و لكنه لا يحكم إلا نفسه حتى هذه فربما أنه يوهم نفسه إيهاما بحكمه لها
و لم أحتفظ من تاريخ قلبي إلا بالفوائد و العظات التي استقيتها من ذلك الدرب الطويل الذي قضيت فيه ربيع عمري و غرة شبابي فعجلت الكهولة إلى روحي و جسدي قبل دنو موعدها فحكمت الروح و الجسد









مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه