رصيف الأحزان

0





حتَى متى تبقين خلفَ ستائرِ الغيبِ البعيدْ؟!
و دمشقُ تذرُفُ بل و تنزِفُ من مُحيّاها القصيدْ
و حبيبتي كسحائبٍ رثّتْ من التّبغِ الجديدْ
و قصيدتي كحبيبتي 
نارٌ و ثلجٌ
من 
ترابٍ أو يبابٍ  
أو ضبابٍ أو سحابٍ   
أو شموعٍ أو دموعٍ 
أو رخامٍ أو ملامٍ 
أو كترسٍ من حديدْ 
  قلمي شُعاعٌ راسِخٌ في قعرِ أبحارِ النَّشيدْ
و مراكبي ثَمَّ استوتْ عند الغروبِ 

كأنَّها قِرطٌ بِجيدْ
و فصاحتي كشجاعتي   
طفلٌ تأرجح فوق حيوانٍ بليدْ   
و صوامعي كجوامعي   
لقد استوت أركانها   
و حجارةٌ بيضاءُ يبرُقُ نورُها فوق العبيد  
و صواحبي كعجائبي   
غابت كشمسٍ في الضُّحى   
لكنَّها ليست تجيد  
***  
و مدينتي فيها عريشُ الياسمينَ مُهذّبٌ 
و مسالِمٌ
و الشَّعبُ فيها عاشِقٌ للتّبغِ بل
يهوى الفراشَ مع النِّساءْ
يهوى العشاء
رزٌّ و سمنٌ مع شواءٍ أو حساءٍ أو ثريدْ
شعبٌ عظيمْ...
شعبٌ عظيمٌ قد تعاظمَ سَمعُهُ
حتّى تصاغرَ صوتُ قصفِ الغوطةِ الغرَّاءِ في سمعِ الوليدْ
حتّى متى يبقى حبيبُكِ في الفضاءِ بسِجنِهِ
و الغلُّ طوَّق عُنقَهُ
و السّاعي يقتاتُ البريد!!!
حتّى متى أمشي أسيرُ على رصيفِ الحُزنِ ليلاً
و الهواءُ كأنّه قيحٌ صديدْ!!
و الياسمينُ و أنّةُ الثّكلى بأذني!
و عصيرُ توتِ الشَّامِ يبدو
في عيوني مُماثلاً لدمِ الشَّهيد!
 
حتى متى يبقى الكتابُ مُسافِراً   
في بيرقِ الطَّودِ الوطيدْ   
حتى متى يتراجعُ الفرسان قولي  
أو متى يتقدَّمُ الجبناء في هذا الصَّعيد!!
حتى متى تمشي الدِّماءُ بلا وريدْ!!  
حتى متى يتكلَّم الشُّبَّانُ عن أفكارِهِم 
و مشاعرُ الشُّبَّان جمرٌ في المدينة فوقها نُثِرَ الرَّمادْ
 حتى متى يتكلَّم النَّذلُ العنيد؟!  
حتى متى تمشي الزَّواني و الغواني في الأزقَّةِ و الحواري  
لا نُبدِهم زجرٌ و نهيّ... أو وعيد!!
و مدينتي...  
مسكينةٌ تبقى بحُكمِ المُغتصب؟!  
و الشَّامُ مجدٌ ... ليت شعري  
بل هي المجد التَّليدْ  
أدمشق قولي لي متى يأتينا ذا المجدُ الجديد؟!
أدمشقُ صمنا وانتظرنا مطلع الفطرِ السَّعيد
ضحَّوا بنا يا أمُّ قبل أوانِنا  
و أتانا عيدٌ بعدَ عيدٍ 
دون عيدٍ دون عيدْ دون عيد
أصبحتُ أدمنُ شرب كأسِ الياسمين  
و بسُكرِهِ أضحيتُ كالطِّفلِ الشَّريد
  ***
حتى متى!!
حتى متى تبقى دمشقُ كأرملة!!
حتى متى ترضَينَ هذي المهزلة!!
حتى متى تبقى العصافيرُ الصغيرةُ
في دياري
في حصاري
في جمالِ الوهمِ قولي
أو متى تغدو الفراشاتُ الصّغيرةُ للحقولْ!!
و توشوشُ النَّاياتُ قلبي للنزولِ إلى السهولْ!!
و بقاسيون قصائدُ التيهِ الطويلةُ يا صغيرةُ تسردينْ!!
***
حتى متى نبقى هنا!!
أم من سيكتب سيرة الحبِّ الطويلة في الضحى!
أم من يؤرخ يا صغيرةُ قصة النّهدِ الصغيرْ!
أم من يزيلُ النّهدَ عن ذاك السّريرْ!!
أم من يُخفِّفُ أنَّةً عن شامِنا
و يُذيعُ حرقةَ قلبنا مرسومةً في صوتي أو صوتِ الصَّرير!!
حتى متى
حتى متى تبقى الأسودُ بلا زئيرْ!!
قولي متى يزوي النباحُ مع الهريرْ
أفلَمْ يحِنْ عودُ الفرزدقِ أو جريرْ؟
أصغيرتي: أُتلِفْتُ من هذا الهجيرْ
أصغيرتي: عُلِّقتُ من قدميَّ ليلاً
أشعلوا ناراً ليشووا جبهتي
قد جرّدوني عن ثيابي يضحكونْ
و يسخرونَ و يكفرون
حتى استوى ثَمَّ الأميرُ مع الحقيرْ
أصغيرتي : ماذا أقول!!
و هل تُرى أشفي الجراحَ مداوياً بقصائدي؟!
أم ما سأنشرُ في الضحى بجرائدي؟!
و القهوةُ التركيَّةُ السَّوداءُ تبّاً لا تفارقُ مكتبي
و بنشرةِ الأخبارِ زورٌ في الصّباحِ و في المساء
و على الجزيرةِ يسمرون و يضحكونَ
و كأنّهم ببرامِج العهرِ المنظََّمِ يا صغيرةُ يشفقون!!
حتى متى !! حتى متى!!
***


 
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه