حظرتيني

4

حظرتيني 
منعتِ النَّاس أن تقرا فناجيني 
شرِبتِ الشَّاي أكواباً 
لماذا لم تناديني 
فتحتِ هناك أسواقَ النِّخاسةِ في شراييني 
ضربتِ الذُّلَّ في عَصَبي 
على بلدي 
على قومي 
على شعبي 
وشربُ الشَّاي يؤذيني
حسوتُ السُّمَّ أرطالاً 
شرِبتِ الشَّاي أكواباً 
و كنَّا قد تعاهدنا 
و كنَّا قد تواثقنا 
و ليس يُشَكُّ في ديني 
و كنتِ قرأتِ في شَفَتي 
ترانيمَ الغلايينِ 
و كنتُ بيومِها غَزِلاً 
بدوحِ الحورِ و التِّينِ 
فلِمْ يا حلوتي كنَّا 
بقربِ الآهِ في صدٍّ
و في الميدان لستُ أرى

 شفاهكمُ تُناديني
:"أعيري سمعكِ لحناً
بحبِّكِ كنتُ أعزِفُه"
فهل طاحتْ قرابيني ؟!
***
حظرتيني!!
و في شامِ الهوى أذنٌ 
يذرُّ فؤادُها دمعاً 
فيَنبت في الثَّرى أمَلٌ 
و بارودٌ و زقُّومٌ 
وينبتُ في الثَّرى شيءٌ كأنيابِ الثَّعابينِ
 ألستِ ترينَ أنَّ الشَّامَ مثلَ عجوزَ تسعيني؟!
و كان يقولُ إنَّ بَنيَّ في عجزي يعينوني
فشاب الشَّيخ...
وصارَ لظهرِهِ قوسٌ
وزاد بعجزِهِ فقرٌ 
و أسقامٌ و أورامٌ و طاعونٌ 
و صارَ الشَّيخُ كالأعمى
بعينٍ صار واحدةٍ 
و لكن عينُ من خشَبٍ و في يدهِ
و دبَّ الشَّيخُ مُصطَبِراً:
عسى الأبنا يُعينوني
فأمَّا واحدٌ فَنَمَتْ
بذورُ المالِ في يده
فأعيا كبرُ ثروتِهِ 
فليس يعدُّها عدَّاً 
فصارتْ بالموازينِ
فراح التَّاجرُ الأعمى
بكلِّ فضولِ ثروتِهِ
على الإفسادِ يسكُبُها
على التَّحشيش
على خمرِ المجانينِ
و راحَ الآخرُ النَّصَّاب
يزورُ رفاقَ والده
يقولُ لهم:
ألا يا سادتي شيخٌ
كسيحٌ صار بل أعمى
أعينوه...
أعينوني...
فيخرجُ ملئ قبضَتِهِ
مفاتيحٌ 
وشيكَّاتٌ 
فيصرفها على النسوانِ  
ويبذخ في الفنادقِ كالعديم و سلَّةِ التَّينِ
***
فأمَّا بنتُه فغدتْ
عروساً...
كيفَ أرسمُها بأقلامي و تلويني!!
أخافُ على وريقاتي
إذا ما جدتُ في وصفي
ومن يسطيع نقل الشَّمس!!
فكيف إذا أصوِرها 
بتبياني و تلحيني!!
كبنتِ الشَّامِ في شعري
بغوطتنا بنيسان
فباعتْ كلَّ صيغتِها
لتطعمَ شيخَنا المسكين
فأوَّاهاً لتلك البنتِ 
لم تُبقِ بجُعبتِها
لتغسيلٍ و تكفينِ!!
أليس دمشقُ من بلغتْ
إلى الإسبانِ و الصَّينِ!!!
***
حظرتيني!!
و من شفتي 
و في لغتي و أوردتي  
 و ناياتي و مسبحتي
رسمت سحابَ تشرينِ
فكيفَ ستقرئينَ غداً
بكلِّ لغاتِكِ العُليا
خرابيشَ المساجينِ!!
و قد أمسيتُ أكتُبُها

و في قاموسنا ثقبٌ
يزيدُ البلَّ في الطِّينِ

***
ألا يا أمَّ أطفالي
فها أرنوهمُ صبحاً
بداري كالرَّياحينِ
يدبُّ صغيرُهم يحبو
و يبحثُ عنكِ في غرفٍ
يرى طيفاً
فيقرُبهُ 
و يُسرعُ ممسِكاً يدهُ
يفرُ الطَّيفُ منزعجاً 
بلا رفقٍ و لا لينِ
أليسَ بنيَّك الضَّحَّاك
و البسَّام كسَّار الفناجينِ!!
عجبتُ لقلبِكِ القاسي
حديدٌ كان أم صخرٌ؟!
ألستِ خُلِقتِ من طينِ!!
***
حظرتيني!!
حظرتيني!!
ألا يا أمَّ أولادي
لقد شابت تلاحيني
و قد ذبلت رياحيني
ألا يا شمسَ ضحوتنا
لماذا لا تناجيني!!
***

2013/8/20

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

التعليقات

  1. مؤثرة جدا ...بورك قلمك سيدي

    ردحذف
  2. ألا يا أمَّ أطفالي
    فها أرنوهمُ صبحاً
    بداري كالرَّياحينِ
    يدبُّ صغيرُهم يحبو
    و يبحثُ عنكِ في غرفٍ
    يرى طيفاً
    فيقرُبهُ
    و يُسرعُ ممسِكاً يدهُ
    يفرُ الطَّيفُ منزعجاً
    بلا رفقٍ و لا لينِ
    أليسَ بنيَّك الضَّحَّاك
    و البسَّام كسَّار الفناجينِ!!
    عجبتُ لقلبِكِ القاسي
    حديدٌ كان أم صخرٌ؟!
    ألستِ خُلِقتِ من طينِ!!
    روووووعة

    ردحذف
  3. أكثر من رائعة يابن نزار بوركت وبورك فيك

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله بكم ومرحبا دائما بزيارتكم

      حذف

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه