الحرب في زمن الحب

3

لمَّا علِمتُ بما جهِلتُ
وأنَّني  ضيَّعتُ في الحربينِ حباً 
آبتِ الآهاتُ تغزو لمَّتي 
و الشَّيبُ غطَّى أعظُمي 
و مدامِعِي أضحتْ هناكَ 
وقصائدي كالمِسكِ فاحَ من البَصَلْ
أفأغزو هذا الفيلقَ المِطواعَ
أم جيشَ القُبَل ؟!
أم كلَّ أنثى راحتِ الأشباحَ تبكي
ثمَّ تشكو من مُحيَّايَ البطَلْ
__________ 
أفتذكُرينْ
أفتذكُرينْ
لمَّا التقينا صُدفةً بعد العِشاءْ
أقبلتُ نحوَكِ مُرهفاً
وأميسُ كالغُصنِ الرَّطيبْ
أمسكتُ أصبُعكِ الرَّقيقْ
ولمستُ وجنَتَكِ النَّديَّة
وفضضتُ تلكَ العُلبةَ البيضاء
وصببتُها في كأسِنا
كي نشربَ الكاسا سويَّا
وفُجاءةً
ووراءَ تلكَ الأكمةِ الفِضِّيَّةِ المُتلوِّنة
قد أقبلَ الجيشُ الغريقْ
يجثو على أفواهِ أكمامِ الزَّهَرْ
ويُعيدُ للأغصانِ تلك جهنَّماً
و:"ليعبُدوا من يعبدونْ
نحنُ الألى
نحنُ البشرْ
نحنُ الذينَ أو اللواتي
بل ونحنُ العلمُ و المجدُ العتيقْ"
وهناكَ خلفَ الأكمةِ الفضِّيةِ المُتلوِّنة
أرخيتِ شالاً من شريطِ سياجِنا
ولففتِه
وربطتِني بالشَّالِ ذاكْ
فحميتِني
ألهمتِني
وأذقتِني
من شهدِ فاكِ مع السَّحَرْ
حتى تبيَّنَ من هُناكَ الخيطُ الاَْبيضُ مع أخيه
فدفعتِني
وشفَعتِ قُبلةَ خدِّكِ المُحمَرِّ مع ذاك الشَّقيقْ
فرأيتِني
وأنا أقبِّلُ بعدكِ الأغصانَ
خلف التَّلة الفضِّية المُتلوِّنة
و الجيشُ ثَم مُراقِباً يحلو لهُ كأسُ النَّبيذْ
كأسُ النَّبيذِ مع الحبوبِ أو الحشيشْ
فمُراقباً
ومعاقِباً أهلَ المدائنِ بالصَّواريخِ اللئامْ
ومُنقِّباً عن كنزِ بلدتِنا العظيمْ
__________

 وهناك أجثو مُراقباً
ومعاقباً
ذيَّاكُمُ الشَّالَ الثَّمينْ
وهناك قلتِ
واستبانَ الخيطُ الابيضُ مع أخيه
:فاكفُفْ
وأبعِدْ
واستقِم مثلي
و قل:
"إني نويتُ الصَّومَ عن هذا الرَّحيقْ"
ولففتِ رأسكِ بالحجابِ تعفُّفاً
لمَّا ادَّكرتِ طرائفاً من كلّ أحوالِ الرِّفاقْ
واحمرَّتِ الوجناتُ,ذلك...
كل ذاك وراءَ تلك الأكمةِ الفضِّيةِ المُتلوِّنة
فنهضتِ طاويةً و قدْ
أمسكتِ سبُّحةً وقدْ
هيفاءُ نورُكِ قدْ وقدْ
منهُ الحجابُ لقدْ فقدْ
كُشِفَ الحِجابُ عن الجبينْ
وذهبتِ نحو السَّاقيةْ
تتوضَّئينْ
تتلمَّظينْ
تتمضمضينْ
وظننتِ إن تتمضمضي
أن شهدَ ثغري قد يحُولْ
فضحكتُ حتى بلَّ دمعي لِحيتي
فهرعتِ نحوي تُزمجِرينْ
وترشرِشينْ
وجهي بماءِ السَّاقية
وعجبتُ أن كيفَ استقامَ الفهمُ عندكِ
و استوى
في مثلِ هذي الأحجيةْ
حاولتُ أن أقنِعكِ أنِّي ما فهمتُ و ما فهمتْ
لكن خيالَك كان أبعدَ من زُقاقِ الجابية
وأقولْ
ماذا أقولْ!!
لمَّا بلغتُ بأحرُفي
مُتحدِّثاً عن حجمِ ذيِّاكِ الخيال
أأقولُ أنّي ما مللتُ بكل هاتيكِ السِّنينَ مسافراً
مُتحدِّياً
أستجمعُ الذَّهبَ الذي
يتقلَّدُ العُنُقَ الجميلْ
إن بانَ خيطٌ لِمْ أراكِ تحرِمين ؟!
قد ضعتُ لمَّا أن بلغتُ حدودَ ذياكِ الخيالْ
أفتقنعينْ ؟
إلاكِ أنت
يا ربة الوجه الحزين
هيَّا
قومي انهضي
إياكِ أن تتعثَّري
إياكِ أن تتباطئي
قنّاصُهم يحذو المناكبَ و الرُّؤسْ
يصطادُ في وقتِ السَّحَرْ
بل يحصُدُ اليومَ البَشَرْ
وتقلَّعي
هيا انهضي
صيَّادُهُمْ
يصطادُ في الماءِ العَكِرْ
  __________

أوصلتُكِ الدَّارَ العراقيَّ الذي
بعد الحديقة الثانية
قبَّلتُ ظِلَّكِ
ظلَّ شعرِكِ
طيبَكِ الغالي الثَّمينْ
ونشقتُهُ حتَّى ترسَّخَ في الضُّلوعْ
وذهبتُ نحو الغُرفةِ الظَّلماءِ
في قصري المُخيفْ
أشعلتُ شمعتَها التي كانتْ
قُبيل القرنِ الاخضرِ
في مساحيقِ النساء
قبَّلتُها
قبلتُ شمعتَك التي أهديتِني
فرأيتُ طيبَكِ قد تضوَّعَ في الشُّموعْ
أغلقتُ كل نوافذي
تلكَ المُطلَّةِ نحو حيِّكُمُ الجديدْ
شاهدتُ تلك المئذنة
لَمَعَتْ بعيني فكرةُ الشِّعرِ الجديدْ
أقبلتُ نحو دفاتِري ومشاعِري
و فتحتُ أدراجي القديمةَ
تلك كانتْ مثل تابوتٍ سميكْ
أخرَجْتُ أكفاني
وكلَّ حنوطِكِ الغالي النَّفيسْ
أمسكتُ غليوني العتيقْ
وملأتُهُ
من تبغِ حشاشٍ صفيقْ
أشعلتُهُ
فتطاوَلَتْ نيرانُهُ في
جوِّ أجواءِ الشّهيقْ
فتقَهقَرَتْ مني العزيمةُ ثانية
ولقد ظننتُ بأنَّني
لا ألقَ ثمَّةَ ثانية
وتقَهْقَرتْ
أدراجُ تلك الذاكرةْ
للأعيُنِ الزَّيتيَّةِ اللمَّاعةِ
الكانتْ ببغدادَ ارتوتْ
من ماءِ ذيَّاكِ النَّخيلْ
فتضمَّخَتْ
وتلطَّختْ
وتقلَّبَتْ برِمالِ بصرتِها البخيلْ
فتطاوَلَتْ
حتى استوتْ وكمثلِ حيِّكمُ النَّبيلْ
وعلى يمينِ السَّاقيةْ
وأتيتِها والرَّقبةُ الجرداءُ تبرُقُ في الضُّحى
أخشى عليكِ من العيونِ
من النسائمِ في السحر
فأنا أخاف
فتحجَّبي
وتجلببي
وتخمَّري
ولتمسحي كل المساحيقِ التي
من شأنِها تُبعدني عنكِ
ها إنني في البابِ إني
فافتحي أي يا صغيرةُ
واجلبي لي ذلك الكرسي
تعالَي هاهنا
هاتِ الجهازَ فإنني
أخشى عليكِ من الأشعَّةِ و الخطَرْ
بل إنني أخشى عليكِ من النسائمِ في السَّحَرْ
هيَّا اقربي
بردانةٌ أنت ؟!
فمما
لِمْ أراكِ ترجُفينْ
هيا
تعالي
لا تخافي
هل نسيتِ ما وراءَ تلك الأكمةِ الفضِّية المتلوِّنة
ونسيت ساقيةَ الرَّحيقِ مع العسلْ
ونسيت غصنَ الزيزفونْ
ونسيت ثوباً قد تمزَّق وانزوى
عن ذلك الكتِفِ الرَّهيبْ
فشعرتُ ليلتها بأنِّي قد سكرتُ فما أفيقْ
ولمستُه بأناملي
وبأعيني
ولثمتُه
فنسيتِ كلَّ الجيشَ خلفَ الأكمةِ الفضِّية المتلوِّنة
لمَّا أسرَّ ضميرُكِ في مسمعي
:"هيَّا نعُدُّ النجمَ
هذي واحِدةْ.."
والنَّجمُ كلُّ النَّجمِ يركبُ في مُحيطِ قلادةٍ
هي في مسارِ تلعثُمي
فإذاً فديتُكِ أفتِني
كيف السَّبيلُ إلى تمامِ قصيدتي ؟



مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

التعليقات

  1. عائشة المصري17 يوليو 2016 في 6:31 م

    في العادة تكون القصائد الطّويلة مملّة ، لكنّني قرأتُها ولمّا انتهت قلتُ هل من مزيد ؟ ، قصّة شعريّة وصفتَ المكانَ ببراعة وجئتَ بالحبّ سلاحاً لا يُهزم في وجهِ جيشٍ كافرٍ بالعاطفة :)

    ردحذف
    الردود
    1. وصفُكِ يُضفي على قصائدي طيفاً يشوِّقُني لإعادةِ قراءةِ القصيدِ من زاويةٍ جديدة فتعجبني, مرحباً بوجودكِ آنستي.

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه