فارتدت
مدرسة عتيقة جمعت فيها متناقضات الزمن , و
معاكسات الثقافات و شذرات الحكمة كان يؤتى بها إليها من كل شريعة و قطر و قرن و
حضارة و قانون و نحلة تجمع فيها كما لو أنها مخزن
حكمة الشرائع و مستودعه أو سجله و أرشيفه فما يغيب عنها القليل فضلا عن
الكثير ولا الدقيق فضلا عن الجليل ولا يزال هذا حالها و ذلك دأبها لا تفتر ساعة من
نهار ولا ليل كأنها و الحكمة المغناطيس و الحديد
و
ولجت تلك المدرسة فكان بابها سميكاً مصفحا بالحديد مترسا بالفولاذ زرعت به أوتاد
كأغلظ و أثخن ما رأيت عرشضٌ كأن أصل خلقته جدار قلعة رفيع عال حتى تقول لا يعلى عليه شديد التمايك و
الالتفاف على بعضه حتى تخال أن صاروخا لا يمكن أن يخترقه بل و لا أن يعمل نكتاً فيه و مكثت ساعةً
في الباب أتأمل صنع هذا الباب لا يرتد عنه طرفي و لا يكل منه فكري
و
إنني على حالتي التي وفت من الشرود و التأمل في هذه البوابة العظيمة و الجبابرة
التي صنع منهم و خلق لهم أقلب فيه طرفي كأنه كتابٌ كاملٌ في التارخ يستقطب وحده
علماء الدنيا بأسرها ليتعلموا من تفاصيله و مجمله فيقتبسوا و يرووا عنه و ينقلوا
الطرائف و الأشعار و الأحاديث و الأخبار ينشرونها بعد في أصقاع المعمورة
و
أصدق لو قلت أن نفسي في تلك الساعة وحدها امتلأت حكمة و علماً و فهماً بل وذوقاً و درايةً حتى خيل إلي أنني
فرغت من الحاجة التي من أجلها أتيت .
و
لما هممت أن ألتفت فأتوجه تلقاء المخرج الذي منه دخلت إذ بشيخٍ وقورٍ يدنو مني فيهمس في أذني همسةً
يهف لها قلبي و يرف قبل أن أفهم مبتغاه و مقصده و كادت شفتاي أن تنطق فتفصح عن
الجواب و أنا لما أفهم ما يرمي إليه و يقصده
فأنبأني – ولا ينبئك مثل خبير و كأنه أعلم بنفسي مني – بما يجول في خاطري و
ما بدور في فكري و كل ما تلقيته في الساعة
المنصرمة و كل ذلك بكلماتٍ لا تكاد تبلغ عد أصابع اليدين
فارتحت لحديثه الذي ما اسطعت حفظه و انشرح له صدري أي انشراح و غبطت نفسي
على هذا اللقاء العميق فدخلت و دخل
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي