صباح الخير

0

أنهض ...

   فأشرع صباحي بذكرك بعد ذكر الرحمن أذكرك في خاطري فيرتعد قلبي و يرتعش جسدي حتى أمرّ ذكرك على لساني لأتذوق لذاذة في حروف اسمك.

   عجيبٌ هو أمر هذا الذكر الذي يكاد أن يصير لي منه وِرداً دائماً صباحياً و حضرةً هائمةً روحانيةً بحضرتكـ بعد الفجر أو بُعيدَ الشروق , أغسل فيها بسيال الشعاع الشمسي سيال شعاعي المنبثق اللماح تاراتٍ كأنه البرق و أطواراً كما النسيم الضوئي يرفُّ رفيفاً و يحف من حول عرش قلبي متدلياً متراخيا دانيةً على عتباته ظلاله...

   أنهض كما لو أني على ميعادٍ مع حضرتك لأجد لساني لا يزال رطباً بذكرك متهيئاً مستوفزاً كأن لي مع ذات الحضرة عدةً أخرى , فإما أديت ركعتين في الضحى و ترينني بك أركع و أسجد و أقوم و أقعد حتى لأخاف على قلبي بصلاتي عندما أقول إياكَ نستعين  أو إياكَ نعبد أن تتمثلي لي فأشرك لا قدر الله , حتى إذا ما صليت يممت وجهي شطر حيك فوجهت إليك دعواتي و تنهداتي و آهات شوقي و زفرات توقي وصيحات قلبي صيحة إثر صيحة تنبيك أنه لا يزال على العهد و الميثاق الذي بات عليه بالأمس فلا يضرك أن تجدي منه شيئا من بعدٍ  أو انشغال فما الأمر كذلك و إنما يكون تاراتٍ لما تحملينه و تحمله الأمة من أحمالها و أثقاله فينوء به ولا يكاد يستقيم له الفكر ولا التثبت و التجلد و التصبر.

فلا تستثقلي منه ذلك إذا بدر و لا تستكرهيه إذا أطّ أو هدر فما يكون ذلك لعمري إلا بك و ليس ينظر أمراً أو يدقق فكرةً إلا بخلال نورك الذي منه يقتبس و يستضيء و به يهتدي و يستنير , فمذ متى كان قلبي يعي فلسفة الفلاسفة و مصطلحاتهم و أقوال الحكماء و مدلولاتهم و تعابير البلغاء و تصاوير الفصحاء و ما أثر في القرون الوسطى عن الشعراء أو الأدباء و ما عثر في حكمة الهند أو سحر الفراعنة أو حتى هذرمة الأحابش و الخلطاء!!!

مذ متى كان قلبي يعي من ذلك شيئاً أو يفقه عن ذلك شيئا!!

فكانت مقدمة حياتي بك صادقة و رافعة تدور بي و تلف الأرض فأراها تعيث فيها فساداً و تعود إلى دارها لا رغبة و إنما رهبةً و عناداً فلا تترك إنسياً ولا ماردا و لاسبعا و لا طيرا و لا جماداً إلا و تزرع في نفسه بذارا لنورٍ خافتٍ يريبني بادئ ذي بدء ثم تتحول عنه إلى غيره لتتفهم و تعي ما يتطلب نوعه و جنسه من انواع البذار و كمياتها و أصناف الأسمدة الطبيعية أو الكيماوية وصلاحياتها و أقسام الأشربة للبزاة الشهب أو الغرابيب السود أو حتى كل نسر قشعم

فما أكل مطاردتها و لا أملُّ متابعتها و أقذف رأيها بما يقذف به رأي كل حر شريف في زماننا الخلي هذا أو عاقل منصف عفيف ثم لا ألبث إلا أن أؤوب بالبور و الانفلات الفكري بفعل سحرها الذي تسلطه علي و تديره على رأسي مربية تارة مرشدةً اخرى و إلا فجبارةً منتقمةً

و عندما أيقنت لها الخلود و  قرأت فيها و توسمت لها الحياة الكريمة المصونة و أنجم السعادة و الشعور زلت قدمي زلة أوهت قواي فبدأت عن اكتناه سرها بالشرود .




مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه