القيلولة

0






    فارتدت مدرسة عتيقة  جمعت فيها متناقضات الزمن , و معاكسات الثقافات و شذرات الحكمة كان يؤتى بها إليها من كل شريعة و قطر و قرن و حضارة و قانون و نحلة تجمع فيها كما لو أنها مخزن  حكمة الشرائع و مستودعه أو سجله و أرشيفه فما يغيب عنها القليل فضلا عن الكثير ولا الدقيق فضلا عن الجليل ولا يزال هذا حالها و ذلك دأبها لا تفتر ساعة من نهار ولا ليل كأنها و الحكمة المغناطيس و الحديد

    و ولجت تلك المدرسة فكان بابها سميكاً مصفحا بالحديد مترسا بالفولاذ زرعت به أوتاد كأغلظ و أثخن ما رأيت عرشضٌ كأن أصل خلقته جدار قلعة  رفيع عال حتى تقول لا يعلى عليه شديد التمايك و الالتفاف على بعضه حتى تخال أن صاروخا لا يمكن أن يخترقه بل و لا أن يعمل نكتاً فيه  و مكثت ساعةً  في الباب أتأمل صنع هذا الباب لا يرتد عنه طرفي و لا يكل منه فكري

    و إنني على حالتي التي وفت من الشرود و التأمل في هذه البوابة العظيمة و الجبابرة التي صنع منهم و خلق لهم أقلب فيه طرفي كأنه كتابٌ كاملٌ في التارخ يستقطب وحده علماء الدنيا بأسرها ليتعلموا من تفاصيله و مجمله فيقتبسوا و يرووا عنه و ينقلوا الطرائف و الأشعار و الأحاديث  و الأخبار  ينشرونها بعد في أصقاع المعمورة
    و أصدق لو قلت أن نفسي في تلك الساعة وحدها امتلأت حكمة و علماً  و فهماً بل وذوقاً و درايةً حتى خيل إلي أنني فرغت من الحاجة التي من أجلها أتيت .

    و لما هممت أن ألتفت فأتوجه تلقاء المخرج الذي منه دخلت  إذ بشيخٍ وقورٍ يدنو مني فيهمس في أذني همسةً يهف لها قلبي و يرف قبل أن أفهم مبتغاه و مقصده و كادت شفتاي أن تنطق فتفصح عن الجواب و أنا لما أفهم ما يرمي إليه و يقصده

    فأنبأني – ولا ينبئك مثل خبير و كأنه أعلم بنفسي مني – بما يجول في خاطري و ما بدور في فكري  و كل ما تلقيته في الساعة المنصرمة و كل ذلك بكلماتٍ لا تكاد تبلغ عد أصابع اليدين

    فارتحت لحديثه الذي ما اسطعت حفظه و انشرح له صدري أي انشراح و غبطت نفسي على هذا اللقاء العميق فدخلت و دخل

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه