الفصل الرابع

0




و كذلك هو نقش الخاطر إذا ما تمّ في ظلامِ الأسر و وحشة العبودية و ذل الرقِّ الذي يأبى المستبدون من  أنصاف البشر أن يجعلوه غلاًّ في أعناق رعيّتهم من البشر الكمّل أو الملائكيين من الناس الذين قد يكونون في مغارةٍ ضمن مفازة الظلم الواسعة خاصتهم
كذلك يبقى النقش كأنه نقش العميان على رخامٍ صاجيٍّ أو عاجيٍّ أو حريريٍّ متهالك القوى
و كذلك يبقى أو ..أو لا يبقى
و قد أتت من الأرض تلك الخاوية الخالية تنصبغ بالترب التبري و الأريج الأقحوانيِّ و الشذى الدخاني الخاص و المعقم من شوائب الدهر اللعينة الساقطة
هكذا أتت إعصاراً خريفياً أو شبه خريفي
هكذا أتت تميط اللثام عن مفاصل القصة و سلاماتها
هكذا أتت مدبِرةً لا مقبلة
أتتْ تعانقُ الريحَ الجنوبيّةَ
و نسائمَ الفجرِ العقيقيّة
و صوتَ نغمٍ هادئٍ متزِنِ الخُطى يشبهُ الليلَ هدوؤه
 و رقَّتُه تشبهُ نسيمَ الفجرِ المتَّئِدْ
وهكذا أتتْ و لا تُريدُ أن تأتي
بل أن تجيءَ مجيئاً كما يجيء الربيع.

فحرّكتُ شفاهي كطفلٍ يتعلّم النُّطقَ أنوي التحدُّثَ إليها
و قد كنتُ قبل ذلك متكلماً فصيحاً ذرِبَ اللسان
 بليغا لا يُعيِيهِ الموقفُ الحرِجُ
 و لا تعجِزُهُ المنابرُ في الجمعِ الغفيرِ من السّاسةِ و  القادةِ العسكريين فإذا بهِ عييٌّ لا يكادُ يُبينْ.

أتت تكشفُ عن نفسي و كأنّها ترنو إليّ بعيونٍ ملائكيّة لا بشريّة
فحوّلتُ نظري و لكن ما حوّلتُ عيونَ قلبي عن طيفِها
 و لا فؤادي عن روحِها
أتبعها كل صباح و مساء ما رقّ من شعري و عذُب لحنُه فطارَ كشُعاعٍ بنفسجيٍّ تم صنعه من ماءِ الوردِ و حجرِ اللازورد.

أتت تميسُ غزالةً , فاكتحلتْ بذلك الأرجوانِ النَّديِّ
 واتّشحتْ بخيوط الشمس الذهبية في الضحى
ترد عنها عيونَ كل حاسدٍ و شرير .

فرأيتها كعرائس البحر الأسطورية
تسير فتكاد لخفتها و رقتها تطير.

و أنا أكتب عن أيام مضت و انقضت
فليس لي منها سوى ذكرى حلوة مريرة
أو حلم أزيد غموضه بسوء تفسير , أو جهلٍ بتعبير..

و هكذا كانت بداية البداية...
و ها أنا في هذه الليلة و قد كادت السنة الثالثة أن تنقضي على لقائنا الأول مسدلةً على القصة ستار النسيان الشفاف رأيتها و ما رأيت يم لقائنا فتاةً أعجبت بها أو فتنت بحسنها و جمالها و رقتها و طلاوتها بهائها حسن طلتها
ما كان ذلك أو قد كان و لكن لم أتلفت له
ولكني رأيت التي بت أراها يقظة و مناماً عشرين عاماً أو تزيد كنت أشعر بأنفاسها على طول العقدين المنصرمين
ما كنت كل تلك أضغاث أحلامٍ و لم تك مجرد أوهام و خيالات و هواجس تمر و تنقضي كما تمر غيرها
لم تتلك المرأة مجرد فتاةٍ أعجبتني فأردت نوالها بصحبة أو علاقة مشروعة أو لا
ولقد كان ذلك  و لكن
هل كان ذلك و حسب!!
لقد كنت –ولازلت- أوقن أن بين جنبيها نفسٌ هي نفس التي مكثت أعواما طولا بصحبتها أكلمها و تكلمني صباح مساء
كان كل ما يدور حولي في هذه الفترة يؤكد ما أنا بصدده من ظن و حسبان و لكن لم أكن لألتفت كليا لإشارات من الطبيعة و ما وراءها لأجزم بالقدر و لكن بت أوهم نفسي أن كل ما أرى وهم لا صحة لوجوده و لا ثبات و لا ديمومة و أنه لا محالة زائل ممح مندثر كما كان شأن المئات بل ربما الآلاف من قصص الغرام و أحادي الود و النجوى و الوئام و الهيام و ربما الخصام في منصرم سني حياتي التي قضيتها متعمد الخوض في البحث في هذا المخلوق الذي يدعى المرأة و في كنه ما ينعت بالحب أميز كل حالة و قالة و إشارة و عبارة ترسلها ذبذبات كهرباء الكون بين المجرات الجنسية و الأقمار العاطفية و الكواكب الحسية
لقد أتت إعصارا دمت في البحث عنه عقدين من الزمن أراه حتى في النسائم اللطيفة الرقيقة في الأثير في ضوع الأقاح بل و حتى ربما في رياح الموت و نفحات الخبث و النتن المفاجئ أو البطيء لا ظن النائل منها و إنما لأميز بين كل تلك و أقارن و أصف لمرتادي هذا المختبر في الأيام القادمة  واصفا مبينا في تقرير شبه رسمي دوري أو نصف دوري ما تكون العلائق بين العطر المركب و الأرومة التي منها تستقى أنواع العطور و النباتات التي منها تنتخب البخور و الزهور التي تنتج العسل الصافي و الفرق بينه و بين مربى السفرجل و التفاح الذي يظنه البعض عسلا
لقد كانت قصة حب طويلة فانتهت أو ربما لم ينهها القدر و إنما أراني ذلك مداعبة أو مزاحاً أو إعياء وإكمالاً لعمليتي في ذلك المختبر بالرغم من إجهاد الفكر و إجهاضه في المراحل المتأخرة من هذه القصة التي لم يكن فيها تواعد بين جسدين على لقاء أو حديث هاتفي أو نزهة في أيكة أو مرقص أو مقهى و لا حتى دردشة على خطوط الشابكة التافهة التي صارت مزار العشاق البغيضين في هذه الحقبة من الزمن حتى صار الحب علاقة الكترونية بما تعنيه هذه الكلمة من معنى   حب صور و أشباح لا حب أطياف و أرواح

و هكذا...

هكذا انتقلتُ من المعلومِ الخياليِّ إلى المجهولِ الواقعي

و هكذا انتقلتُ من الشُّعورِ إلى اللاشعور

 و من كتابةِ الشعر إلى كتابة النثر
و هكذا
هكذا انتقلت من الحسِّ الرقيق, إلى الواقعِ المريرِ الصَّفيق

هكذا انتقلت من الحبِّ بلا دنيا , إلى دنيا بلا حب.

و هكذا
انتقلت من رحمة الله إلى رحمة الله. و هكذا...

هكذا انتقلتُ من المعلومِ الخياليِّ إلى المجهولِ الواقعي

و هكذا انتقلتُ من الشُّعورِ إلى اللاشعور

 و من كتابةِ الشعر إلى كتابة النثر
و هكذا
هكذا انتقلت من الحسِّ الرقيق, إلى الواقعِ المريرِ الصَّفيق

هكذا انتقلت من الحبِّ بلا دنيا , إلى دنيا بلا حب.

و هكذا
انتقلت من رحمة الله إلى رحمة الله.
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الفصل الثالث

0




 


معاناتي في صد الحبيب و قسوته و عناده تزيد قلقي قلقا و ارقي أرقا و تستشري فتبعث الفوضى في مدارك الجزء الأرضي مني و تصاب كثيرا بالورم  فتؤثر على جزئي السماوي و الذي صار في هذه الآونة اغلبي إن لم يكن كلي
فبعد لان عقدت القران بين روحها و روحي صار العذاب مضاعفا  غير مقتصر على ما كان عليه سابقا
المستقبل عندها أكيد و اليوم عندها يزيد فلا يوم و لا مستقبل و لا أمس  و لا نجوى و لا نداء و لا همس يرحم الله من الميت  كم يكون شاعرا في الرمس
الفصل الثالث  ها إنا اكتبه أثناء الفصل الثالث  الذي فصل فيه الروح عن الجسد





مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الفصل الثاني

0




ذنبي...
هو جل ما يعيق مسيرتي الكفاحية الطويلة الشاقة  في هذا الزمن الأخير أو المتأخر في هذه الفوضى العارمة
و بعد حيرة طويلة و ضياع مزعج مستمر  و شتات و قلق  ووسط اضطراب الفتن  و تقلقل البلاد و غليانها و إقدامها على أتون حرب مدمرة ساحقة صاعقة تأتي في كل يوم على ما يعترض دربها من شجر و حجر و بشر
بل حتى الأسماك الصغير ة الضعيفة  و القطط الجميلة الأليفة  و الطيور المغردة البريئة  لم تنقذها مسالمتها و لم تشفع لها الفتها و وداعتها
فحرت و اضطربت كما حار الشعب و اضطرب و لبثت مليا أطالع صفحات السماء أقرا رسالة خطتها يده على حاشيتها  اردد الطرف في أنحاء السماء  و في أرجاء الطباق  لا يعود طرفي إلا بالملالة و الحسرة و الانكسار الشديد و أعاود المحاولة ثالثة و رابعة و خامسة كي تبوء كلها بفشل ذريع و أمل صريع
ففي أحوال كتي أرده على قراطيس الامواه الجارية أو الراكدة و في  زوايا المكان و أنحاء الزمان و على صفحات الأوجه المستعارة أو الحقيقة
حتى يصل بي الأمر إلى مستنقع جميل أخاذ أو بركة منخفضة الجدار في دار عربية قديمة
اهرب منها كلها حتى اجعلها تطاردني بعيدا في حقول الذرة الصفراء و البيضاء و بين سنابل القمح اليابسة و في الأغصان الشوكية ضمن البساتين اليانعة لهذا الحبيب المحتل الغاصب فتارة اركض طفلا خائفا مرتعد الفرائص احمرت أحداقه و خلع قلبه و أيقن بالهلاك
وطورا كغلام شقي  يعبث في حقل جيرانه ويسلو بمطاردة ناطور مسكين متخفيا مرة وراء شجيرة ورد اصفر أو ارجواني  و مرة خلف جدار قصير يحاول التمطي مترفعا عنه حتى يلمح صلعة ذلك العجوز أو عصاه مهرولا صوبه
حتى يعييه فيعود لاستجداء مطارد من كرم آخر
و هكذا دواليك حتى تراوده نشوة الشعور بالنصر لترحم أولئك الضعفاء
 أما في بعض أوقات السرور أجده حال سمكة صغيرة في حوض اسماك الزينة يتلاعب بأسماك الحوض بأسرها بين مطارد و مطارد فيختبئ تحت الرمال تارة و أخرى و راء  الصخرات الصغيرة حتى ليخيل إليها أنها في بحر هدأت أمواجه و شعت أنواره و صفت ماؤه و شفت جدرانه  حتى ليرى المخلوقات على جوانب ذلك المحيط
كيما تسعدها في لعبتها تلك
وحدتي و غربتي و عزلتي و انفرادي كل  ذلك و أنا ضمن خليط فظيع من العناصر الاجتماعية تجعلني في إحدى حالتين يذيبني حتى أتلاشى من هذا الجو أو تجمدني تجمد مشاعري و أحاسيسي و كل قواي حتى لتفصل الروح عن الجسد
و بكلا الحالتين  لا أرى المؤدى إلا التلاشي  و الانفصال والانحلال
فارتب مفردات قواميسي من جديد  و أحيك مؤامرتي على ذاتي  و اقلب الخطط و المخططات رأسا على عقب  أذوب و أعود أطير و ارجع لأسافر  و أعود أتلاشى و أعود أتخبط انزوي أعربد أتمرد اضمحل  حتى أمارس كل فعل أثبتته العربية أو غيرها من اللغات و أعود
هنا أجدني ابذر بذاري في صحراء الجليد لتنبت النخل الباسقات و الكرم اللذيذ و التين و الزيتون و في غضون أيام
قد يكون ذلك عن الفلاسفة و علماء النفس إحدى علامات الغباء وعند الحكماء احد مؤشرات الجهل
إلا انه عندي من علامات النبوغ و العبقرية و دلائل ----------- و --------
فأمل لا يعرف الملل و تفاؤل لا يدرك معنى الخيبة او الإحباط و الهزيمة
حماقات البشر و ترهاتهم و بلاهة المنطق وبلادته و محبطات الأرضيين و خلودهم إلى الأرض
و ارتقاء السمائيين  و تعصبهم للسماء يشدني أولئك و يرفعني هؤلاء حتى أكاد أتمزق بين الأرض و السماء
سفري نحو الوراء و طموحي لاختصار الدهر كله بأعوام قليلة مقارنة مع طوله
و شد أهل الوراء و دفع أهل الأمام
يزعجني و يربكني و يقلقني حقا
فكيف لا أقع بحيرة كتلك و أنا في حال كهذه لا تسعد و لا ترضي
حقا كيف لي ان اجمع بين الأشتات  و أؤلف بين المتناقضات و ما انا اله و لا حتى نصف اله و لست بنبي مرسل و لا ولي ذي كرامة جليه او حجة واضحة مبينة
كيف كيف !!!
الجنة التي في عقلي مذ ولدت و الجحيم الذي أحياه مذ بلغت
النعيم الذي اطمع بلوغه  و العذاب الذي يحيطني من كل مكان
الحياة الحية و الموت المر
 التراث الأصيل و المدنية اللعينة
الدين القويم و الأخلاق النبيلة  و المحافظة
و التفلت و الإباحية و الاتباع الأعمى للغرب!!!!
كيف قل لي كيف!!!!!







مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الفصل الأول

0


فاصبر على ما يقولون و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها.
الحمد لله المحمود الأجل , و الصلاة و السلام على حبيبه و آله الأطهار و صحبه الكمل , و بعد :
   فها نحن نشرع بالكتب على طريق الخروج من الزمان و قد كاد أن يتوقف بنا قبل و التمرد على المكان و التجرد مما يغزونا ونغزوه وكان كل ذلك قد حاصرنا
   و لا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين و ما تدري نفس بأي أرض تموت
   و لما أن صار بنا المطاف إلى رابية لا شرقية و لا غربية يجبى إليها من كل الثمرات و رزق ربك خير و أبقى , و حال بنا الحول إلى ما لم نكن نبتغيه و لا نؤمله و ألقت الحبيبة عصاها و استقر بها النوى و ذهبت أو كادت بالذي أنا صانع
   أقضّ مضجعنا مجاراة الكبراء من قومنا و مجاذبة العظماء من سلفنا  و رحنا نلهث وراء كل فلا نبلغ الجزء و لا يدركنا الكل هنالك
   و بعد أن امحت تلافيف دماغنا و الذي كان قد اختزن فيها طوال هذه العقود جزعنا و ما كان الجزع ليقرب أمثالنا و فارقنا الصبر و رحنا نبتغي  في كل حلقة  و لا نلقى ثمة أمر و تاهت بنا الدروب و تشعبت و ضلت مسالكها النوق و نخت و تصعدت وهام في بيداء العلوم فكر و تاه في فيافي الغرام قلب و ضاعت بنا النفس في مسالك الحال وجالت بنا الروح كل مجال  و نحن نتشوق في كل لحظة إلى ما هو أسمى و أشرف و نتطلع كل ليلة إلى ما هو أعلى و أترف فننسى ما كان فيها من الليلة الفائتة ...بعد كل ساعة  ما سمت بها النفس  حتى تراه قد صار في الأعماق و كنا أو كدنا نبلغ الثريا و تتواضع لنا النجوم في الآفاق

   حتى آل بنا الأمر إلى عزوفٍ عن بث القلم شكوانا أو رأينا أو شعورا و سيطرت الوحشة بيننا وكاد شرا مستطيرا ثم حرنا في التقرب له و طار بالتباعد عنا و صرنا إلى ما صرنا إليه و بلغنا ما كنا نتخوف و نخشى منه ومنا و عنه و عليه
   و لزمنا كتب القوم نتصيد منها الفوائد و بدأنا من أقدمهم  نتحين وقت صدور الموارد و كان لنا و من الجاهليين صدقات و هبات و أعطيات  فما كنا لنرتضيها  وأزلف لنا الإسلاميون بالنذور و الهدايا فما قبلناها ثم كان المولدون و ما نحن و ما هم  و ما لهم فضل علينا إلى قربهم من الرعيل الأول و السلف الأمثل  و قرب عهدهم بالتنزيل
   فكانوا قد عاشروا أهل الحضارة و سمعوا منهم و شافهوهم  و كانوا الآخذين عنهم ما يشذبون به الألفاظ و يتزيدون به من المعاني التي تكون على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ و إن كنا نخالفه الرأي في بعض جوانب ذلك
   و المهذرمون منهم على ذلك كثر و المتفيهقون المتشدقون أكثر فما التفتنا إلى رجل منهم و لا أعرنا ناظرا و لا سمعا
   و ما فضلهم علينا و ما الفضل في قريحتهم على قرائحنا!!إلا أنهم أخذوا بأقل مما نأخذ فيه و أحاطوا بأحقر مما نحيط به و ما نحن و هم إلا كفرسي رهان  حاز الأول قصب السبق إلا أنه كان وحيداً و يحوز الآخر السبق كله و يصير فريدا..
   و لا عجب منا أن نفضل قرننا على ذلك القرن أو نعلوا بعهدنا على عهدهم و أنى يكون العجب و قد قضى سيد الخلق أن الصديق منا بسبعين منهم بل من صحبه عليهم منا صادق التحيات و السلام فما الاختلاف لعمروك بالسبق و إنما بالزمن
الزمن الزمن الزمن
   هذا ما توصلنا إليه في نهاية المطاف أنفة و رفعة و عن هؤلاء و تقربا بل اقترانا من أولاء و في طريق السفر عبر الزمن و نكاد نبلغهم إن لم نسبق أمراءهم و أمراء الكلام فيهم هذا و على ما كان في دهورهم و مجتمعهم من تعظيم للكلم الفصيح و تبجيل للمعنى اللطيف و تقديس للشعر و قائله و إطنابٍ بإبداعه و إيمان بقدراته و حيث يكون  الشاعر المفلق والكاتب النحرير  فيهم مرفوعا على العلماء أو بعضهم مقدما على القادة و الأعوان  في مجالسهم و محافلهم حتى يكاد يكون بينهم قديسا أو نبيا ينطق عن السماء و الطبيعة و ما وراءها فينفث في روعه فلا يتكلم حين ينطق إلا وحيا عن السماء
   وقد تجد في زمانهم هذا من يهذرم و يقزرم بالشعر فلا يبدع و لا يبتدع و ينظم فلا يخفض أو يرفع  فذهب الشعر في العرب خاصة و اندثر الأدب و أثره في العالم عامة
   فلا تكاد تلقى في بلاد العرب كلها جرير عصره و لا فرزدقه أو بحتري زمانه و لا أخطله
   ولا تجد أفرادا صعاليك تسمو نفوسهم و ترتقي لبلوغ أدنى مراتب الشعر قديما
   و لما كان بعثنا في مجتمع كهذا و زمن كذلك من سقوط الهمة و انتشار السخف و الهوى و الرذيلة و المجون و آلى الجمع من ذوي القربى إلى الانتقاص من أمرنا و الحط من شأننا  و الغض من قدرنا و قدرتنا و الكفر برسالتنا و ضعف الإيمان بنا و بمذهبنا و عدم الصدق في طلب العلا و المعالي في مدرستنا
   و كان العامة على ما هم عليه من البعد عن الأدب اسما و رسما  و عزوف عن الشعر و جهل بوجوهه و أضرابه
أرشدنا الملهم سبحانه اتخاذ قرار مصيري بالرحيل
الرحيل الرحيل الرحيل
   الرحيل عن الزمان أولا و الابتعاد عنه و الضرب في جذور التاريخ و فيافيه الواسعة و مفازاته الشاسعة مصطحبين بعض الزاد من ماء و طلعٍ من باسقات نخلنا
   ثم الارتحال عن المكان و لذلك كيفية و ذكر لما نرشد إليه إما الرحيل الأول فكان صعب المقدمات اقتضت بديا إلى امحاء الذاكرة القديمة و الجديدة و ما كان  مما اشرنا إليه بعبارة سالفة عن ازدراء العامة و الخاصة و الحط من شاننا مصداقا لقالة الحسن ازهد الناس بالعالم أهله أو جيرانه
   ما كان من كل ذلك سوى الرفع من الهمة إلى مآل لا يسمو العقل ولا يبلغه الفكر و لا يرقى إليه الحدس لقد كان لنا ذلك كالنار تبرز الذهب الخالص  و تنقيه و تنفي عنه الشوائب و الو الكدر..
   هذا ما كان منا طيلة هذه الفترة المنصرمة التي قضيناها نجول في مقدمات الكتب المأثورة و الدرر المنظومة و المنثورة و الجواهر المكنونة و الخطب الفريدة و المقالات و الحكم المفيدة حتى اتينا على شيئ من ذلك كثير  وما هو بكثير  وسنلم بشيء من ذلك بعد شيء كما نحن في جولة في طريق العلوم الجديدة المبتدعة  و أخرى من القديمة أو المعاصرة المخترعة و ثالثة في الفنون و ألوانها  و أخرى من كل بستان و حقل  و أجمة وريدة أو وريقة ريثما يأذن لنا المولى بالسيطرة التامة أو شبه التامة على عرشنا الموروث الذي أسلمناه من قبل من أسلمناه.
    ذلك الحين الذي لا زلنا بانتظاره منذ عقود عديدة كادت ان تضني الجسم و أن تذهب بالنظر  و العقل من تأثيرها المميت الممقوت  حتى تبدت لنا الحكم العديدة و الإشارات القديمة و الجديدة إلى أن انتهينا إلى ما نحن بصدده و أين يقع في خط الزمن في المخيلة المحتلة التي دمرت عن آخرها  بأثقل أنواع الأسلحة وأشدها فتكا.
فانظر و إن كنت مكفورا بقدرته
هل شابه الشمس في إشراقها زحل!!

   فنحن بعون الله وحمده و تصريفه و تسييره  و مدده و إرشاده نحبذ منذ اليوم الإمساك بهذا القلم  و التصرف بفنون الكلم و بديع النثر و النظم كما لم يجده احد من المتقدمين أو المتأخرين على حد سواء بأسلوب و فن هو فننا و أسلوبنا لا غير غير متبعين في ذلك مذهب احد من العمالقة و لا خائضين في جداول الصعالكة ومستنقعاتهم القذرة شرقيهم و غربهم

و بعد عمر طويل قضيناه في التجربة و الخوض بأخبار الناس و أشعارهم بديا ثم في علوم الحق و علوم الخلق ثانيا
ففي ذلك المنهج الموضوع و المذهب المتبع و الدرب الواضح و اللحب المضاء بنور الحق  و رضا الوالدين و تحت تأثير الأميرة و سحرها  و نور وجهها و ثغرها  وفتور أهدابها و ألحاظها  و حدة صوارمها و بأسها كانت      ------- ذلك المذهب المذهب  و ترصيعه بألوان الوشي  و أصباغ الديباج و الرقوم الرفيعة و العريضة  الواسعة الضيقة الجامعة لمتناقضات العصور
حتى كان كما أسلفنا بعد إنهاء المرحلة و البدء بالخوض في بحور العلم
و كان أن تذكرنا اليوم قول الشعر
فديتك سيد الشعراء ربي
 و قبل البدء لا الملك الضليل

و من ثم مر في خلدنا  لما قرأنا في ترجمته أن الشعر يبدأ به و ينهى بنا



مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

فهرس نقش الخاطر

0
-صباح الخير 
-الانطلاق
-القيلولة

 
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

القيلولة

0






    فارتدت مدرسة عتيقة  جمعت فيها متناقضات الزمن , و معاكسات الثقافات و شذرات الحكمة كان يؤتى بها إليها من كل شريعة و قطر و قرن و حضارة و قانون و نحلة تجمع فيها كما لو أنها مخزن  حكمة الشرائع و مستودعه أو سجله و أرشيفه فما يغيب عنها القليل فضلا عن الكثير ولا الدقيق فضلا عن الجليل ولا يزال هذا حالها و ذلك دأبها لا تفتر ساعة من نهار ولا ليل كأنها و الحكمة المغناطيس و الحديد

    و ولجت تلك المدرسة فكان بابها سميكاً مصفحا بالحديد مترسا بالفولاذ زرعت به أوتاد كأغلظ و أثخن ما رأيت عرشضٌ كأن أصل خلقته جدار قلعة  رفيع عال حتى تقول لا يعلى عليه شديد التمايك و الالتفاف على بعضه حتى تخال أن صاروخا لا يمكن أن يخترقه بل و لا أن يعمل نكتاً فيه  و مكثت ساعةً  في الباب أتأمل صنع هذا الباب لا يرتد عنه طرفي و لا يكل منه فكري

    و إنني على حالتي التي وفت من الشرود و التأمل في هذه البوابة العظيمة و الجبابرة التي صنع منهم و خلق لهم أقلب فيه طرفي كأنه كتابٌ كاملٌ في التارخ يستقطب وحده علماء الدنيا بأسرها ليتعلموا من تفاصيله و مجمله فيقتبسوا و يرووا عنه و ينقلوا الطرائف و الأشعار و الأحاديث  و الأخبار  ينشرونها بعد في أصقاع المعمورة
    و أصدق لو قلت أن نفسي في تلك الساعة وحدها امتلأت حكمة و علماً  و فهماً بل وذوقاً و درايةً حتى خيل إلي أنني فرغت من الحاجة التي من أجلها أتيت .

    و لما هممت أن ألتفت فأتوجه تلقاء المخرج الذي منه دخلت  إذ بشيخٍ وقورٍ يدنو مني فيهمس في أذني همسةً يهف لها قلبي و يرف قبل أن أفهم مبتغاه و مقصده و كادت شفتاي أن تنطق فتفصح عن الجواب و أنا لما أفهم ما يرمي إليه و يقصده

    فأنبأني – ولا ينبئك مثل خبير و كأنه أعلم بنفسي مني – بما يجول في خاطري و ما بدور في فكري  و كل ما تلقيته في الساعة المنصرمة و كل ذلك بكلماتٍ لا تكاد تبلغ عد أصابع اليدين

    فارتحت لحديثه الذي ما اسطعت حفظه و انشرح له صدري أي انشراح و غبطت نفسي على هذا اللقاء العميق فدخلت و دخل

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

الانطلاق

0






   ف   يخطئني سهم الحكمة و يطيش عني فلا يصيبني ولا يدانيني بل ولا يقاربني مهما تعرضت لخطِّ سيره أو تنبّأت بمحلِّ رميه , حتىَّ أصابني الهم فأثقلني , و أتاني الغم فأقعدني و أكلني عن الحراك و السير , و أبعدني عن الأناة و الخير , و مللت أهلي و ملوني , و يئست حياتي , و انقلبت على عقبي ,  لا أخشى الأهوال و لا أدرك الأحوال , و لا أميل لجمع الأموال و لا أساير الخلق لا عن حبِّ و لا عن حبِّ منفعةٍ من ورائهم أو مصلحة

   فابتعدت عن كل أحد , و رحت تائها هائما على وجهي في البلاد , أبحث لا عن شيئ , و أهرب لا من شيئ , جائع و ليس لي بالطعام رغبة , خائفا و ليس في من الموت رهبة , مستوحشٌ حتى من نفسي , مستنفر من غدي و أمسي , منحوس سيئ البشر و الطالع , صدري لا ينشرح لأي خير فاحترت في تفسير ذلك كله بل ما اهتدت إلى هذه المرحلة أن أحتار بل ما توصلت حالتي لأن لأعرف من نفسي هذا الشعور أو أن أبحث عن خيار

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

صباح الخير

0

أنهض ...

   فأشرع صباحي بذكرك بعد ذكر الرحمن أذكرك في خاطري فيرتعد قلبي و يرتعش جسدي حتى أمرّ ذكرك على لساني لأتذوق لذاذة في حروف اسمك.

   عجيبٌ هو أمر هذا الذكر الذي يكاد أن يصير لي منه وِرداً دائماً صباحياً و حضرةً هائمةً روحانيةً بحضرتكـ بعد الفجر أو بُعيدَ الشروق , أغسل فيها بسيال الشعاع الشمسي سيال شعاعي المنبثق اللماح تاراتٍ كأنه البرق و أطواراً كما النسيم الضوئي يرفُّ رفيفاً و يحف من حول عرش قلبي متدلياً متراخيا دانيةً على عتباته ظلاله...

   أنهض كما لو أني على ميعادٍ مع حضرتك لأجد لساني لا يزال رطباً بذكرك متهيئاً مستوفزاً كأن لي مع ذات الحضرة عدةً أخرى , فإما أديت ركعتين في الضحى و ترينني بك أركع و أسجد و أقوم و أقعد حتى لأخاف على قلبي بصلاتي عندما أقول إياكَ نستعين  أو إياكَ نعبد أن تتمثلي لي فأشرك لا قدر الله , حتى إذا ما صليت يممت وجهي شطر حيك فوجهت إليك دعواتي و تنهداتي و آهات شوقي و زفرات توقي وصيحات قلبي صيحة إثر صيحة تنبيك أنه لا يزال على العهد و الميثاق الذي بات عليه بالأمس فلا يضرك أن تجدي منه شيئا من بعدٍ  أو انشغال فما الأمر كذلك و إنما يكون تاراتٍ لما تحملينه و تحمله الأمة من أحمالها و أثقاله فينوء به ولا يكاد يستقيم له الفكر ولا التثبت و التجلد و التصبر.

فلا تستثقلي منه ذلك إذا بدر و لا تستكرهيه إذا أطّ أو هدر فما يكون ذلك لعمري إلا بك و ليس ينظر أمراً أو يدقق فكرةً إلا بخلال نورك الذي منه يقتبس و يستضيء و به يهتدي و يستنير , فمذ متى كان قلبي يعي فلسفة الفلاسفة و مصطلحاتهم و أقوال الحكماء و مدلولاتهم و تعابير البلغاء و تصاوير الفصحاء و ما أثر في القرون الوسطى عن الشعراء أو الأدباء و ما عثر في حكمة الهند أو سحر الفراعنة أو حتى هذرمة الأحابش و الخلطاء!!!

مذ متى كان قلبي يعي من ذلك شيئاً أو يفقه عن ذلك شيئا!!

فكانت مقدمة حياتي بك صادقة و رافعة تدور بي و تلف الأرض فأراها تعيث فيها فساداً و تعود إلى دارها لا رغبة و إنما رهبةً و عناداً فلا تترك إنسياً ولا ماردا و لاسبعا و لا طيرا و لا جماداً إلا و تزرع في نفسه بذارا لنورٍ خافتٍ يريبني بادئ ذي بدء ثم تتحول عنه إلى غيره لتتفهم و تعي ما يتطلب نوعه و جنسه من انواع البذار و كمياتها و أصناف الأسمدة الطبيعية أو الكيماوية وصلاحياتها و أقسام الأشربة للبزاة الشهب أو الغرابيب السود أو حتى كل نسر قشعم

فما أكل مطاردتها و لا أملُّ متابعتها و أقذف رأيها بما يقذف به رأي كل حر شريف في زماننا الخلي هذا أو عاقل منصف عفيف ثم لا ألبث إلا أن أؤوب بالبور و الانفلات الفكري بفعل سحرها الذي تسلطه علي و تديره على رأسي مربية تارة مرشدةً اخرى و إلا فجبارةً منتقمةً

و عندما أيقنت لها الخلود و  قرأت فيها و توسمت لها الحياة الكريمة المصونة و أنجم السعادة و الشعور زلت قدمي زلة أوهت قواي فبدأت عن اكتناه سرها بالشرود .




مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه