معزوفةُ النهوندِ

0

معزوفةُ النهوندِ  قد أرسلتِ لي
أرسلتِ سهماً طائِشاً
أرسلتِ قِدِّيساً 
بنهرِ الغانجِ  كان قدِ اغتسل
سَلِسَ المقادِ ظننتُه
حتى أخذتُ لِجَامَه 
جَمَحَ الحِصان
فَحسِبتُ أني مُخطِئٌ
أُسلوبُه مُتفرِّدٌ
أرسلتِه سيَّالَ كَهرَبَةٍ
فما أن رُحتُ أركبُهُ
و علوتُ صهوتَه
فارتدَّ شيطاناً مريداً جامحاً
و أطاحني
فتكسّرَتْ أضلاعُ صدرِي
و تبدَّلَتْ منها المواقِعُ
و استويتِ على الثَّرى
مُتحطِّمَ الأضلاعِ
بل و محطَّمَ القلبِ الحَنون
حتى تَكسّرتِ الأصابع
و تهشّمتْ مني العظام
كجُثةٍ في الأرضِ ملقاةٍ
لكنّ فيها كالبقيّةِ من أمل
و لجانبي يطَأُ الصّعيدَ بمركلٍ
و كأنّهُ الفولاذُ
 يحفر من صلابتِه الثرى
و كأنّهُ قد ظنني ميتاً
إذ اْلقاني
فحدّثَ نفسَه
إحفِر له قبراً
و إلا جاءَ من يُحيِيهِ
لكن ....
فحاوَرَ نفسَه
إذهب إلى الشّبيحِ بادِر
قل له :
قد حاوَلَ المُحتالُ سلبَ ضَفائِري
و السرجَ بالأصدافِ
بل و ادّعِ أنْ قَدْ سَرَق
عشرينَ مثقالاً و أُوقيةً ذهب
و انجُ بنَفسِك
قل له أنْ قَدْ وهبتُكَ
ما استباحَ من الذهب
و انجُ بنفسِك
لا تُخاطِر
لا تُبادِر للعَطَب
***
و أنا على الحالِ الذي أسلفتُ
أشهَقُ شهقةً
تدوي بأصقاعِ الدُّنا
بل و تصعَدُ شَهقتي
في القُبةِ الزرقاءِ
حتى لَتبلغَ حاجتي ربَ الورى
لم أستطِع لِيدِي حِراكاً أو شفاهي
حتى بدا لي واقفاً
أنفاسُهُ نايٌ حزين
ففرِحتُ أنْ قَد رَقّ لي
و طرِبتُ أنْ قَدْ راقَ لي
و رضِيتُ أنْ قَد طاعَ لي
و نسيتُ ما قَد حَلّ بي
فنسيتُ أوجاعي
أرهفتُ أسماعي
حركتُ أضلاعي
و فيها الرّوحُ دبّتْ من جديد
يا قلبَها : أرَقَقتَ لي
يا قلبَها هل رُقتَ لي
يا قلبَها أرأفتَ بي
يا قلبَها أحزِنتَ لي
لا لا فلا تحزَن فإني
كُلّي جسمي حتى روحي في فداك
فاستضحكَ الفرسُ الأصيل
واستهزَأ الفرسُ الأصيل
و تهكّمَ الفرسُ الأصيل
ناديتُ أي ربِّ كفاني
أرسِل أي إِلهي عِزرئيل
قد خلتُه سلسَ المقاد
لكنّني رجلٌ هبيل
لكنّني رجلٌ هبيل


***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

بنطالك و أوراقي

0




بنطالُكِ هذا يُقلِقُني

حقّاً قد شابه أوراقي

فجمالُ الصفحةِ يُغويني

في الليلِ فأنثُرُ أشواقي

و أغارُ عليها مِن قلمي

و السَّاقُ التفَّت بالسَّاق

فأنا شرقيٌّ لا تنسي

بنطالُكِ جادَ بِإِحراقي

***

 
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

سرطان الماكياج

0


ما بالُ الماكياج!!
و هل أزحتِ عن دارِكِ 
ذاكَ السياج!!
ما هذا الطاعونُ الجديد
ما هذا الألمُ الجديد
أتدرينَ ما هو العلاج!
أتدرينَ كيف يتحولُ أحمرُ الشفاهِ 
إلى مرض ؟
أتعلمينَ كيفَ تُصبحُ القبلةُ ألماً؟
أم صِرتِ اليومَ إلى قِصَّةِ حبٍّ جديدة!
قصِّة حبٍّ مع عُلبِ الماكياج
و حقائبِ الماكياجِ اللعينة
هل هذه هي قصّةُ حُبكِ اليوم!!
و بعد أن كنتُ أراكِ عاقلةً
هل هذا ما صارَ يشغلُ بالكِ اليوم!
اليومَ أنتِ عنيدة
مع قصَّةِ الحبِّ هذهِ الجديدة
و ما كنتِ كذلكَ قبل هذا اليوم
لقد كنت جميلة
جميلةً و حَسْبْ
اليومَ صارَ أحمرُ الشفاهِ على شفتيكِ
يُحرِقُني
يُحرِقُ أعصابي
يُتلِفُني
يُشعِلُ أنفاسي
يُشعِلُني
اليومَ أججتِ بي نيرانَ الغيرة
اليوم أضرمتِ بي رجولةً من نوعٍ جديد
أتريدينَ أن يقولَ الناسُ عني
في المدينةِ أنني مُتعصِّبٌ
فإن كانَ الأمرُ في حُبِّكِ
و في الجنونِ بك
فأنا كذلك
فليقولوا عني ما يشاءون
فجنوني بكِ يجعلُني صوفيّاً مُتعصِّباً
وقد يجعلُني سلفيّاً مًتطرِّفاً
لا يعبدُ إلا الله
و لا يتعبَّدُ إلى الله بأحدٍ
إلا بحبيبته
أجل
دعيني أتقرّبْ إليهِ بحبك
دعيني أُصلِّي بك
و أصومُ بك
و ألثمُ الكعبةَ بشفاهِك
فأنتِ اليومَ قصيدتي
و أنتِ اليومَ بيتي الحرام
فلن أطوفَ إلا بِك
أضرمتِ بي رجولةً
لأُضرِمَ فيكِ معاني الأُنوثة
أحاسيسَ الأُنوثةِ
أفلا تُعجِبُكِ طفولةُ الأنوثة!!!

***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

و اشتقت لشوقي

0

أنا شوقي إليكِ مبتعدٌ
عن جسدي و أرضي 
عن داري
و اشتقتُ لشوقي
إذ ركِبَتْ أشواقي سُفُنَ الأسواق
فتمادَت موجَاتٌ كادت
أن تطغى فتُطِيحَ المرفأ
أشواقي كانت تُشجِيني
و الشَجَنُ اليومَ سيبكيني
و الحرفُ معذبُ لا يُدرِك
أفعالَ النقطِ البُنِّيَّة
يشتاقُ الشفةَ الورديَّة
و القلمُ الخمريُّ تلظّى
ببنانِ السّبعِ الزهريّة


***

مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

أشواق لنهود إفريقية

0


بدليلِ الهاتفِ في جيبي
خمسونَ صحيفة أو أكثر
أستجدي فيها ملهاةً
تجمع أثداءَ الدنيا في كفّي
لكنّ الذِّكرى تذبحُني
و رحيقي يطغى على الدََّّفتر
فيُنمِّلُ جسمي إذ أذكُر
أيّاماً كانت بزمانٍ
بالشهوةِ أبداً تتفجّرْ
أمشي في صَحبي مُختالاً
أمشي طاووساً يتيخترْ
فبكلِِّّ صباحٍ لي امرأةٌ
ِثنتينِ ثلاثةُ أو أكثرْ
و تزيدُ يزيدُ بها ولعي
و تزيدُ يزيدُ بها الدفتر
***
و صواحبُ كُنَّ كمِنديلٍ
ذهبيٍّ و حريرِ القزِ
أنشَقُ من عِطرٍ لا ينضُب
فالقُبلةُ لفظٌ شَفويٌّ
و حرارةُ جَسَدي كالتَّاريخِ
لها أعصارٌ ذهبيةْ
أغلي أحياناً لكني
أغلي بركاناً دَمويّ
شهواتي لا تركنُ أبداً
فأراها كحِقدٍ صفويّ
مهما أشبعتُ الرغبةَ في
جسدي لا بُدّ بأن تكثُرْ
فأُنوِّعُ أُشبِعُ رغَبَاتي
لا تَشبَعُ أبداً لا تُشبَع
فتزيدُ بليلي زَفَراتي
فأعضُّ الأُنمُلَ و الأِصبَع
في الليلةِ هذي أثداءٌ
روسيَّةُ شقراءُ تَلمّعْ
و صليبٌ يدنو  من نهدٍ
يُشرِفُ بِتَدَنٍّ و ترفُّعْ
و النّحرُ كثلجٍ بل أنصَعْ
و يزيدُ الليلُ بعيراتي
فأملُّ منِ اللونِ الأوحدْ
أشتاقُ لنهدٍ حِنطيٍّ
أو عاجي يبرُقُ أو أَسمَر
فأُطيعُ بيُسْرٍ نَزَوَاتي
و أُسَرِّجُ فَرَسَ الغَزََوَاتِ
و أُخَفِّضُ نُورَ الغُرُفَاتِ
و أُوَسِّدُ تختي
بل أَترُكُ
كاساتِ الخمرِ على المِرفأ
فالموجُ خطيرٌ
لكني و الخمرَ صحائفُ في الدّفترْ
لا تركُن أبداً نَزَوَاتي
لا تُشبَعُ أبداً رَغَبَاتي
لا تخلُصُ أبداً غَزَوَاتي
فالفرسُ أصيلٌ و الفارسُ
 ذو بطشٍ
تبدو قوتُه
عشرةُ أضعافٍ في المرتعْ
***

ساقطة تحت خيوط الشمس

لدليلِ الهاتفِ صفحاتٌ
تتلوَّنُ حُمرَةَ أو صُفرَة
و بها أثداءٌ لا تُحصى
لكني ندمتُ إذاً ثورة
مزَّقتُ الدفترَ مُعتَكِفاً
في جوفِ البيت
أغلقتُ الهاتِفَ و الشَّبكة
فالدفترُ قد مَحَقَ البَركة
أحرقتُ الدَّفترَ
بل كنزي
أبقيتُ الصفحاتِ الأُولى
الصفحاتُ الأولى من الدفتر
كانت تقتُلُني بذِِكراها
كانت كالسَيفِ أو الخِنجَر
لكن قررتُ بأن يُشفى
إدماني و حُبي للدفتر
لكني عصيتْ
أنا رجلٌ صنديدٌ يعتو
رجل محتالٌ لا يَسأل
لكني نسيت
و فتحتُ الصفحاتِ الأولى
و طلبتُ الأرقامَ الأولى
لورين!!
فردّتْ مُنتحِلة
صوتَ الشغالةِ فاعتذرت
خابرتُ رُويدَةَ فاستحيت
أنا تُبتُ و صُمتُ و صلَّيت
فطلبتُ زُبيدَةَ فأجابت
لكنِّي لستُ في البيت
خابرتُ ولاءَ فما رَدّت
حاولتُ صفاءَ فقد صَدّت
في منزلِ فاتنَ أطفالٌ
قالوا يبكونَ قدِ انتحرت
حاولتُ بعشرةِ أسماءٍ
إخلاصُ
سافرتُ إلى النرويج قالت
إيناس
أسِفَت بل شَتَمَت و تعالت
فدوى دمعتُها سالت
و صفيّةُ زوجي في البيت
أخرى أخشى و أخاف
و أخرى قد تابت
فانفجَر الغيظ
فأمسكتُ السّماعة
رميتُ بها الحائط
كسرتُ الهاتفَ و تعالت
صيحاتٌ أخرى من الهاتِف
أمسكتُ الصفحاتِ الأولى
و رميتُ بها نحو الشارع
و انطرق الباب فجاءة
جريت إلى الباب أسارع
شوقي لامرأةٍ تخشاني
فإذا شبيحٌ عنفني
أَرَمَيتَ بِهذا في الشارع!!
أيقنتُ بأنَّ النحسَ غدا
من كلِّ جهاتِ الكونِ عدا
فاحترتُ أقولُ فما أفعل!!
فغدوتُ لأقربِ خَمّارة
فقعدتُ لجنبي غانيةٌ
تُشعِلُ سيجارة بسيجارة
قَررَّتُ لأَرمي الصنَّارة
و عزمتُ أقومُ لها , قامت
و أتتْ تترنَّحُ تتمايل
كغزالٍ ثمِلٍ يتخايل
جَلَسَتْ فاستحيا الكرسي من
ثوبِ الحسناءِ و ما استحيت
قعدتْ قد كشفتْ ساقيها
و تحاوْلُ رفعَ التنّورة
فعجبتُ و قلتُ لها إنا
في الحانةِ , لسنا في البيت
و بِذِكرِ البيتِ أظنّكِ أن
نُسّيتِ ثوبكِ في البيت
ضحِكت تتقهقه , و تعالت
أصواتُ الضحكِ بأسماعي
بدأتْ أنظارٌ تأكلها
حولي فتزيدُ بأوجاعي
أمسكتُ بيدِها كي تهدأ
فاشتعلتْ شهوتُها و أنا
و أنا مشتعلٌ لا أُطفأ
نَهَضَتْ و اقتعدت في حضني
فشعرتُ شعوراً و كأني
لا أعرفُ للشعرِ مُسمَّى
فغضبتُ عليها
و قد صبَّت
في رأسي و بِجَسدِي النّخوة
و اشتعلَ الرأسُ و خدّايا
بحياءِ العفةِ و المِنعة
فظننتُ بأنّي إنسانٌ
أو أُنثى تذوبُ كما الشّمعة
 و كأني لا أعرفُ أبداً
جسدَ النسوانِ أو المُتعة
لا أعرفُ طعمَ الخمرِ و لا
نكهةَ كاساتٍ أو جُرعة
لا أدري ما لونُ الخمرة
لا أعرف ما طعم الخمرة
لم ألمس أبداً بحياتي
نهداً أو خصراً أو نحر
لم أقرب أبداً لفراشٍ
ما أعرفُ كيفَ يصيرُ الأمر
ما ذُقتُ النشوةَ و الشهوة
و القُبلةَ أبداً في الدهر
و شعرتُ بأني كصبيٍ
لم يبلُغٍ تِسعاً أو عشر
و شعرتُ بأنَّ ضُلوعي صارت
قطعاً من نارٍ أو جمر
و شعرتُ بأنفاسي تبدو
أبياتاً و قصائدَ شِعر
لم أعرِف ما كنتُ و ما صِرت
لم أعرفٍ لم تعرِفْ أبداً
هل خفتُ الأشخاصَ و حولي
و الكلُ في حالةِ سُكر!!
و سبَحتُ بهذا الفِكر إلى
أن خلتُ الكَرْمَ من الجنة
فظننتُ بأني صِدّيقٌ
بل خلتُ بأني قِدّيسٌ
أو أني ملِكٌ
أو أني
لا أدري
مخلوقٌ من صنف أعظم
مخلوقٌ و النوعُ جديد
مخلوقٌ و الجسمُ شديد
فأنا فأنا لستُ أنا
ناداني صوتٌ
لم أعرِف من أين الصوت
فأملتُ برأسي
فرأيتُ خيوطاً تدخُلُ من شُبَّاكِ الفجر
فسموتُ عن الدنيا و رُفعت
ما عاد الناسُ يروا أني
كملاكٍ من نورٍ أبيض
أستلقي فوقَ خيوطِ الشمس
ترفعُني تسحبُني سحباً
من قعرِ الظُّلمات الخمس
خمرٌ و حشيشٌ و نُهود
و صديقُ السوءةِ و نقود
فرُُفعتُ عن الأرضِ و سَمَوت
مُرتاحاً أسبحُ مُشتاقاً
لكني لا أرنو الشمس
يسطيع الأعمشُ أن يرنو
في عينِ الشمس؟!!
يسطيعُ الأخرسُ أن ينبِس َ
أو يهمِسَ همس ؟؟!!!
لا يقدِرُ لا يقدِرُ أبداً


***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

المئذنتان

0


كان في حيّنا مِئذَنة
كُنتُ أسهرُ تحتَ تلكَ المِئذَنة
كُنتُ أشربُ و أغسلُ و جهي من نورِها
كُنتُ أسمعُ في الليلِ من ضوئِها
مواويلَ وقصائدَ غزل
كنتُ أسمعُ من ضوئِها ألحاناً كثيرة
و قِصصاً مُحزِنة
و عَتَابا و ميجنا
كانَ حيّنا جميلاً مضيئاً في تلكَ الآونة
مضيئاً بنورِ تلكَ المِئذَنة
كان تحتَها مِربطُ خيلٍ
تشعُّ من شقوقِ جِدارِه روائحُ الخيلِ الأصيل
فتضيءُ مع نورِ تلكَ المِئذَنة
كنتُ أستمعُ لِحِوارِ الحصانِ الهَرِمِ
مع حفيدِهِ الصّغيرِ في السّحَر
كانَ حديثُهُما في الليلِ جميلاً
و كانَ كأنّهُ حديثُ غَزَلٍ أو سَمَر
***
كانتْ جارتُنا في العَتمةِ
تقعُدُ تحتَ العريشةِ على سطحِهم
فأرى ظِلّها  و ظِلَّ العريشةِ
و أرى تاراتٍ ظلَّ شَعرِها
فأُدرِكُ أنها بغيرِ حجابٍ
فأغضُّ طرفي عن ظِلِّها
كُنتُ في الليالي أُنصِتُ لنجواها
و هي تُناجي أنوارَ المِئذَنة
تُناجي أحجارَ المِئذَنة
فتقولُ لها أحاديثاً ما كُنتُ أفهمها
كانت شاعرةً رقيقة
لكنّها كانت أُمِّيَّةً
لا تعرِفُ القراءةَ و لا الكتابة
كانت شاعرةً رقيقة
يرحمُها الله
فقد ماتت لمّا أن نَشَبَت بِبيتِهِمُ حريقة
و طالت حتى بلغتْ تلكَ المِئذَنة
يا لَحُزني
لقدِ احترقتْ و ما أسعفَها أحد
لقدِ احترقتْ تلكَ المِئذَنة
و كانَ الناسُ في نومٍ عميق
و قد احترقت تلكَ الشاعرة
وكنتُ بين النُوّمِ
و ما استطعتُ أن أفيق
لقد احترقتا بعدَ أن أنارتا الظّلام
و رُويتُ أنهما حتى في احتراقهما
كانتا تضيئان كلّ أرجاءِ المكان
لقد احترقتا
فكيف يُضيءُ في حيِّنا الظّلام!!
لقد تُوفِّيتا
فكيفَ أسمعُ الشّعرَ في الليل
بين مِئذَنتين
واحدةٍ بشريّة
و أخرى من حجر!!
ليت شعري
كم كنتُ أُحبُ تلكُما المِئذَنتين
كانت الأولى تُنذِرُ الناس
و تنذرهم أن هناك شرٌّ
من حيِّنا قريبٌ مستطير
لكنّ الناسَ كانوا نِياماً سُكارى
و ما هُم بِسُكارى
و لكنّ خمرةَ المعيشة
كانت حتّى تُسكِرُ أطفالَهم
و لمّا احترقَتِ المِئذَنة
صارَ الناسُ يبكونَ أسفاً
و ينتحِبونَ خوفاً و قلقا
***
و كانتِ المِئذَنةُ الثانية
تُذكِّر الناسَ في الليل
كانت تُذكّرُهُم
و تُحذِّرُهُم من عاقِبةِ نومِهم
كانت تُهدِّدُهُم و تُخَوِّفُهم و لكن
بكلِّ لُطفٍ وحنانٍ
و محبةٍ و سكينة
كانت كالأُمِّ الحنون
لقد كانت شاعرةً رقيقة
كانت تودُّ لو أنّها تُعيدُ للنّاسِ عاداتِهم و أصالتِهم
تقاليدَ آبائِهِم و نخوتَهم
لكنهُم كانوا يهزَؤون منها
بأصواتِ شَخِيرِهم
كانت دائماً حزينةً
بل كانتا دائماً حزينتين
و لقد كانت تَعلمان
أن الشّرّ من الحارة قريب
و أنّ الموتَ لا محالةَ منهم قريب
و أن الهلاكَ و الدمارَ لبيوتِ الحارةِ قريب
كانت تعرفانِ الكثيرَ الكثير
فقد كنتُ أستمعُ لحديثِهِما العذبِ الشّجيِّ
تحتَ ضوءِ الأُولى و سناءِ القمر
و لكن ليت شعري
لقد غاب القمر
لقد حزنَ القمرُ على حريقِ المِئذَنتين
فارتعدَ و ارتجف
وانشقّ و انحسر
لقد بكى و بكى ثم انصرف
ذهب وراء تلك الغيماتِ السوداءِ الكثيفةِ
التي أرسَلَتها المِئذَنتان رسالةَ موتٍ إلى الشمس
***
لقد كانت في حيّنا مِئذَنة
كُنتُ أسهرُ على ضوءِها و نورِ القمر
و لكن ما عادَ اليوم في حيِّنا مِئذَنة
و لم يعُد في حيِّنا قمر
ولا مِربطُ خيلٍ
لقد صارَ يأتي في الليلِ لحيِّنا
الثعالبُ و الذئاب
و الأفاعي و العقارب
ليسرقوا دجاجاتِ جارتِنا العجوزِ و بيوضَها
الذئابُ كثيرةٌ أكثرُ من أهلِ حارتِنا
و الثعالبُ أكثر
و الجوعُ في أهلِ حارتِنا انتشر
و الهمُ فوقَ صدرِها كبر
و الحزنُ اشتد
و الألمُ و القلقُ
و الظلمُ شديد
و الظلامُ أشد
فبعدَ غيابِ القمرِ و المِئذَنة
تجرَأَ الذئابُ و الثعالبُ على حيِّنا
حتى كلابُ الحيِّ جبُنتْ و استكنَّت
حيثُ ما عادَ في حيِّنا بصيصُ نورٍ حتى في النهار
صار حيُّنا ظلاماً
حتى في النهار
فقد احترقتِ المِئذَنة

***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

سجنت السجن

0

قاضيتِني بقضيةِ القلمِ الفقيد!!
و أنا مُكبّلُ بالمقامعِ و الزّرَد
و السَّلاسِلِ و الحديد
و أنا بقعرِ السّجنِ
خلفَ قضباني استويت
وأرشفُ من ظلامِ السجن
و الغلُّ في عنقي
و أرسُِفُ بالقيود 
و يدي قيحٌ صديد
***
قاضيتني
زنزانتي تعوي كذِئبٍ أخرسٍ
و سوادُها ينبيني قال
لستَ مسجوناً وحَسْبْ
أنت مدفونٌ فقطْ
قاضيتِني
و أنا الملاكُ
و أردتِ لي ذوقَ الهلاك!!
فأنا أطيرُ على سحابٍ في الأُفُق
و رفعتِ دعوى باليراعِ و بالورَق!!
فأنا أطيرُ على سحابٍ في الأُفُق
فأنا أنا شيخٌ و لكن
لا أشيبُ مع الزمن
قد شابَ قلبي
قد بلغتُ الألف إلا بضعةً
فأنا أنا شيخٌ و لكن
قد يشيخُ بي الزمن
***
أنا لو علمتِ خارجَ السجنِ العتيد
أنا لو عرفتِ
لقد سجنتُ السِّجنَ
مع أدواتِه
وجنودِه حُرّاسه
سجنتُه في مكتبي
في أسفلِ الدُّرجِ الصّغير
***
لا تجزعي
أو تهرُبي
في بعضِ أحياني
و لما كُنتُ طِفلاً كُنتُ ألعبُ بالورَق
بل كُنتُ ألعبُ بالكُرة
قد كُنتُ ألعبُ بالكُرة
هل تذكُرينَ مقاعدَ الدرسِ التي
منها ادَّعيتِ أن سرقتُ المِسطرة؟
هل تذكُرين
هل تذكُرين
رسمَ الخرائطِ بالشرائطِ و الطُرُق
هل تذكرين
كلَّ الخرائطِ لهي أصغرُ من محيطِ الدائرة
للدائرة شكلٌ مغايُرُ للكرة
قد كنتُ بل لا زلتُ
ألعبُ كل صُبحٍ بالكرة
أرأيتِ أشكالَ السُّحُب
أرأيتِ كيف
أعلمتِ كيفَ يُشكِّلُ البحرُ السُحُب
أعلمتِ كيف
***


أكره أشكال النجارين


قد كنتُ بصِغَرِي نجَّاراً
أسرُقُ من جيبِ الفنَّانين
أصنعُ ساعاتٍ خشبيّة
أصنعُ أسلاكاً عصبيّة
أصنعُ بِلّوراً شفّافاً
من خشبِ الصّندلِ و الزّيتون
أبكي فأذُرُّ الدَّمع خشب
و نجَرتُ قميصاً من خشبٍ
أُلبِسُه التنينَ الأحمر
أكَلَ التنينُ الأحمرُ ذا
كلّ الألعابِ الخشبيّة
كلّ الأدواتِ الطِبِّيَّة
***
قد كُنتُ بِصِغَرِي نجّاراً
لم أُتقِنْ تلكَ الصّنعةَ قَط
صنّعتُ دُيُوكاً من خَشَبٍ
سَمَكاً و دَجَاجَ و وزَّ و بط
و ذهبتُ إلى الغابةِ يوماً
فوجدتُ الشَجَرَ و فيهِ حياة
و هناكَ ليوثٌ في الغابة
و هناكَ نُسورٌ في الغابة
و هناكَ ذئابٌ و أفاعي
تضربُ في نايٍ و ربابة
في الغابةِ خشبٌ فيه حياة
***
قد كنتُ بِصِغَرِي نجّاراً
أكرهُ أشكالَ النجّارين
أكرهُ أعمالَ النجّارين
أكرهُ صنعَتَهُم و كأني
ما كنتُ بصِغرِي نجاراً
***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

سكير عجيب

0

جارنا سِكِّيرٌ يقعُدُ
كلَّ مساءٍ في المقهى 
سِكِّيرٌ يتمنّى أبداً 
أن يجمعَ أنهارَ الدُّنيا 
يجعلُها كزجاجةِ خمر 
يتمنى لو كانَ العُشبُ  
مع الأشجارِ   
مع الأزهارِ 
عنباً يُعتصرُ ليُصبِحَ خمر 
يتخيّلُ في كلِّ مساءٍ
أن البحرَ يصيرُ نبيذ
أن الجبلَ يصيرُ حشيش
و يُحوِّلُ أغصانَ الدنيا
قصبَ النرجيلةَ
أو غليون
***
جارُنا سَكِّيرُ لَدَغتهُ
الأفعى بمساءٍ
أمسَكَها
قُلتُ اقتُلها
قال تمهَّل
قلتُ اضربها
قال تصبّر
أيقنّا أنّ الجارَ سيهلكُ أبداً في الساعة
فتألّمَ
حيثُ اللدغةُ ينظُرُ
عينَ الأفعى
رأسَ الأفعى
جلدَ الأفعى
يتأمَّلُ فيها كمِثلِ طبيبٍ
ينظُرُ في جسدِ المرضى
قلنا مخمورٌ كالعادة
و اليومُ به السُّكرُ زيادة
فرمى الأفعى فوقَ وِسادة
فرأينا الأفعى تترنَّح
تجحظُ عيناها
لا تعرفُ من أين المخرج
و كذلك بقيت
و كذا هو
يبسمُ فيزيدُ الوضعَ غرابة
لو لدغتْ هِرقِلَ في يدِهِ
لاستنفذَ هرقِلُ أسبابَه
و رأينا الأفعى مُلتوية
لا نجرؤُ أن نقربَ منها
أمسى يتهكَّم بالأفعى
فرأينا حبلاً لا أفعى
يلعبُ بالحبلِ و يستضحِك
فدمي سُمٌّ قتل الأفعى
***


مع تحيات:
الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه