سكِرَ الفؤادُ تصوُّفاً و تَطَرُّفا
فأعادَ هيكَلَةَ النُّفوسِ مُصنِّفا
و أعادَ بَرمَجَةَ العُقولِ تَفَنُّنَاً
و أصابَ بالمَزجِ الغريبِ و أنصَفَا
و تَرَفَّقَ الكُرَةَ الجميلةَ شَارِداً
فوقَ المَجَرَّةِ سابِحاً فمُصَرِّفا
مُسْتَرْسِلاً مُسْتَبْسِلاً مُسْتَمْسِكَاً
أمْرَ الخلائِقِ كادِحاً مُتَعَفِّفَا
فازدانَتِ الألحانُ في نَغَماتِهِ
و ازدادَ غُصناً في الحديقَةِ وارِفا
و أجادَ تِنْسيقَ الزُّهورِ بِروْضِهِ
فشدا النَّسيمُ مُربِِّعاً و مُصيِّفَا
و أضافَ للشُّحرورِ لحناً طيِّباً
فجَناحُهُمْ فوقَ الرِّياضِ مُرَفْرِفَا
و الحُبُّ يَغْمُرُهُمْ بِرَسْمِ ظِلالِهِ
فتملَّكُ الغِربانُ قلباً واجِفا
واشتدَّ في الدَّوحِ الأسيرِ نَعيقُهُمْ
ذبُلَ البنفسجُ و الشَّقيقُ فأتُلِفا
و الياسمينُ تَنَاوَمتْ زهراتُهُ
حتَّى تَحاتَّ الغُصنُ صُبحاً فاختفى
فَعَجِبتُ و الشَّمسُ السَّقيمةُ في الضُّحى
أن قاسيونَ بقَصفِهِ قد أشرَفا
و رأيتُ بالسَّفْحِ القريبِ منارةً
و البومَ عوناً للغُرابِ فمُسرِفا
فرأيتُني مُستلقياً في روضتي
بينَ الفَرَاشِ مُطالِعاً حالَ الصَّفا
فأكونُ عونَ الثَّائِرينَ مُجاهِداً
فمُدافِعاً فمُناوِراً و مُصرِّفا
فَجَسَستْ تُربَ الحقلِ مُطَّلِعاً على
شَذُراتِهِ فَعَثَرتُ فيها ما غفا
ما كانَ جُبناً صرفُهُ بل حِنكةً
و شَجاعةً و تَمرُّسا فَلتَعرِفا
فرأيتُهُ قد حالَ سيفاً صارِماً
و وُرُودَهُ بجناحِ نسرٍ صَفْصَفَا
و تقلَّعَ النَّسرُ العظيمُ مُحلِّقاً
بِسَمائِهِ أغْنَى و أفْنَى و اصطفى
فحزِنتُ أنْ نَفَقَ الغُرابُ زعيمُهُمْ
مُنِّيتُ بالأغلالِ ذُلَّ فَطُوِّفا
مُنِّيتُ لو فُقِئَتْ عُيونُ رئيسِهِمْ
و النَّسرُ كّسَّرَ جُنحَهُ أو نتَّفا
حتَّى ليرجُو موتَهُ مُتَذَلِّلاً
فيذُوقَهُ بالجَوِّ ما قد أرجَفا
سكِرَ الفؤادُ فأُعجِبَتْ مِنْ سُكرِهِ
جُلُّ الأنامِ بثورةٍ أنْ قَدْ غفا
***
مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق