سكِرَ الفؤادُ6

0

سكِرَ الفؤادُ تصوُّفاً و تَطَرُّفا
فأعادَ هيكَلَةَ النُّفوسِ مُصنِّفا

و أعادَ بَرمَجَةَ العُقولِ تَفَنُّنَاً
و أصابَ بالمَزجِ الغريبِ و أنصَفَا

و تَرَفَّقَ الكُرَةَ الجميلةَ شَارِداً
فوقَ المَجَرَّةِ سابِحاً فمُصَرِّفا

مُسْتَرْسِلاً مُسْتَبْسِلاً مُسْتَمْسِكَاً
أمْرَ الخلائِقِ كادِحاً مُتَعَفِّفَا

فازدانَتِ الألحانُ في نَغَماتِهِ
و ازدادَ غُصناً في الحديقَةِ وارِفا

و أجادَ تِنْسيقَ الزُّهورِ بِروْضِهِ
فشدا النَّسيمُ مُربِِّعاً و مُصيِّفَا

و أضافَ للشُّحرورِ لحناً طيِّباً
فجَناحُهُمْ فوقَ الرِّياضِ مُرَفْرِفَا

و الحُبُّ يَغْمُرُهُمْ بِرَسْمِ ظِلالِهِ
فتملَّكُ الغِربانُ قلباً واجِفا

واشتدَّ في الدَّوحِ الأسيرِ نَعيقُهُمْ
ذبُلَ البنفسجُ و الشَّقيقُ فأتُلِفا

و الياسمينُ تَنَاوَمتْ زهراتُهُ
حتَّى تَحاتَّ الغُصنُ صُبحاً فاختفى

فَعَجِبتُ و الشَّمسُ السَّقيمةُ في الضُّحى
أن قاسيونَ بقَصفِهِ قد أشرَفا

و رأيتُ بالسَّفْحِ القريبِ منارةً
و البومَ عوناً للغُرابِ فمُسرِفا

فرأيتُني مُستلقياً في روضتي
بينَ الفَرَاشِ مُطالِعاً حالَ الصَّفا

فأكونُ عونَ الثَّائِرينَ مُجاهِداً
فمُدافِعاً فمُناوِراً و مُصرِّفا

فَجَسَستْ تُربَ الحقلِ مُطَّلِعاً على
شَذُراتِهِ فَعَثَرتُ فيها ما غفا

ما كانَ جُبناً صرفُهُ بل حِنكةً
و شَجاعةً و تَمرُّسا فَلتَعرِفا

فرأيتُهُ قد حالَ سيفاً صارِماً
و وُرُودَهُ بجناحِ نسرٍ صَفْصَفَا

و تقلَّعَ النَّسرُ العظيمُ مُحلِّقاً
بِسَمائِهِ أغْنَى و أفْنَى و اصطفى

فحزِنتُ أنْ نَفَقَ الغُرابُ زعيمُهُمْ
مُنِّيتُ بالأغلالِ ذُلَّ فَطُوِّفا

مُنِّيتُ لو فُقِئَتْ عُيونُ رئيسِهِمْ
و النَّسرُ كّسَّرَ جُنحَهُ أو نتَّفا

حتَّى ليرجُو موتَهُ مُتَذَلِّلاً
فيذُوقَهُ بالجَوِّ ما قد أرجَفا

سكِرَ الفؤادُ فأُعجِبَتْ مِنْ سُكرِهِ
جُلُّ الأنامِ بثورةٍ أنْ قَدْ غفا

***
 

مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه