قطة أموية

0



أنا من شتاءِ الليلِ أهرُبُ 
من رحيقِ الفلِّ والنَّارنجِ 
من وجعِ الحروفِ 
من لغةِ السَّراب
من شكلِ العيونِ بمُعجمي 
كيما أسافِرُ في الضَّبابْ 
كيما أسافِرُ في الشِّتا لحديقتي 
وحديقتي فوق السَّحابْ 
انا من صفيرِ البُلبُلِ الصَّدَّاحِ أهربُ 
ذلك المسجونِ في قفصِ الغُرابْ 
وكما علمتِ 
قد يكونُ ولا يكونْ 
هربُ الوحيدِ شجاعةً 
ولقد أرى بزُقاقِنا اللبلابُ يقفِزُ خِلسةً 
نحوَ الزُّقاقِ المُدَّعي 
لحنَ الطَّهارةِ و الشَّجاعةِ 
يدَّعي 
أنَّ السَّماءَ تمدُّه  بملائكِ النَّصرِ المُحتَّمِ 
نحوَ أبراجِ  السَّماءْ 
________________
لا تحزني 
فأنا الوحيدُ بمِحنتي 
أرجو النجاة
ولقد أراها مِنحةً 
مُتفائلاً 
وكذا الحياة 
 فأرى هُنالِكَ قِطَّةً أمويَّةً 
مرسومةً 
موسومةً 
تتوسَّدُ الخشبَ الموسَّدَ والطَّريَّ 
أوالمُزخرفَ من حوافِ البيلسانِ
وتحتَها
ترنو الغصونَ تدغدِغُ 
النَّجماتِ و القمرَ البهي
________________
من ذلك الكابوسِ أهربُ نحوها:
هي جدَّةُ البُلدانِ 
أهربُ نحوها 
نحو تاريخِ الحضارةِ في دمشق
وإذا بتلكَ القطَّةِ اهتزَّت تُحرِّكُ ذيلَها
تمطَّتْ 
ثمَّ راحت تمشي مع أخواتِها 
وتلفَّتَتْ 
جاءتْ لِنحوي وارتَمَتْ 
 قرَّتْ تُحرِّكُ ذيلَها 
ودَنَتْ تموء
تموءُ عِندَ  وِسادتي 
وتقولُ هذي القطَّةُ السَّمراءُ يا 
وجهَ التَّشابُهِ 
بينَ راحَ وبينَ جاءْ 
قالتْ بلهجةِ شاعِرٍ 
مُتثاقِلٍ وقْعَ الحُروفْ
من ههنا مرَّ الأتابِكُ والتَّتار 
وإلى هُنا عادو ومرّوا وارتمَوا 
عندَ أسوارِ المدينةِ 
يومَ كانت في زُهاء الأربَعينْ 
وإلى هُنا 
جاء ابنُ أيُّوبٍ 
تعلَّمَ ههنا 
صلاحُ الدِّينِ ربِّي ههنا 
 وإلى هنا وإلى هنا 
رجعَ المُظفَّرُ و الشَّهيدْ
من ههنا مرَّ الوليدْ
وابنُ الوليدْ
 بل ههنا سُحِق التتارُ معَ اليهودِ مع الصَّليب 
وكلُّهم دُفِنوا هنا
 ________________
وتموءُ تلكَ القطَّةُ الأمويَّةُ
السَّمراءُ عند وسادتي 
وتقولُ في شعرٍ رطيبْ 
ماذاق هذا النَّاسُ كلُّهمُ 
ماءً كماءِ الشَّامِ في 
فجرِ الحضارةِ 
أو تعلَّل كُلُّهم 
بنسائمِ الفِردوسِ إلاَّ في الشآمْ 
فسألتُها :
أمويُّةٌ يا قِطُّ أم زنكيَّةٌ 
أنتِ ؟!!
فشِعرُكِ كلُّه قرشيُّ 
أمَّا شَعرُكِ البنيُّ هذا 
فهو تُركيٌّ قديم
وتموءُ تلك القطَّةُ الحسناءُ 
عندَ وسادتي 
 ________________
من شمسِ الظهيرةِ في الليالي المُظلِمة 
من  غناءِ الغادة المُتأذِّية 
من بلسمِ الموتِ البطيء 
من وحدتي 
زنزانةِ العلجِ الدَّنيء 
من أعرجٍ رضعَ البلاهةَ و الخنوعْ 
من شنطةِ السَّمِجِ  المُقارِعِ في ينابيعِ الدُّموعْ 
من أنَّةِ اللبلابِ أهربُ داجياً 
وإلى زُقاقِ الياسمينْ 
أتسوَّرُ الآهاتِ و العَبَرَاتْ و الزَّفَراتِ 
أُلقيها 
فلا ألقى هُنالك من  يُسامِرُني 
 ويُسفِرُ ضاحكاً مما صنعتْ 
________________
أنا من شتاءِ الليلِ أهربُ 
من عجاجِ السَّيلِ أهربُ 
نحونا 
نحو التياعك بالحياةِ 
على الدُّروبِ الفانية 
وأعالجُ النَّجَماتِ في سفري الطَّويلِ
فتهرُبُ النجماتُ مني وتملُّ من حزني الشّريد
فلا أرى 
إلآ ظِلالي تحتَ أنَّاتِ الرَّصيف...




مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه