فلسفة الحب

0
  
-1- 

فسمعت صوتاً في السماءِ 
أحاطَ بالدّنيا يقول
أي عبدي هذا الحُب
هذا قلبُها الصّافي
و هذا ما نشَدتَ 
فهل ذكَرت 
قد ابتهلتَ على السنين 
و قد ذرفتَ الدمعَ تشتاقُ المحبةَ 
أن تؤرخَ كالأساطيرِ التي 
كانت على مرِّ الدُّهور 
كالخرافاتِ التي 
جفّت بها صفحاتُ قِرطاسِ العُصور
كالحكاياتِ التي 
تتلوها جدتُكَ العجوز
و طلبتَ مني أن تعيشَ الحُب
أن تعيشَ بقصةٍ
فيها الخلود
وروايةٍ فيها العجائبُ و الغرائبُ
ليس تُحصى
أو تعدُّ و تنتهي
فِلماً يطغى على أفلام تركيا
على أفلامِ دلهي


***







-2-

أي عبدي هذا الحُب
ما عندي هذا , هل رضِيت؟
فلطالما في جوفِ ليلٍ قد دَعَوت
و ابتهلت
وكم رجوتَ و كم شكوت
ناديت أن ربي أذِقني الحُب
وأنا أَرُدُك
ها قد سألتَ سألتَني
لكن دعوتَ بالابتلا
لا , لا يكونُ الحُبُ إلا
بالتصبُرِ للمُصيبةِ
و التجملِ و التحملِ
في الشدائدِ و البَلا
لا لا يكونُ الحبُ إلا بالمقامعِ تارةً
أو بالحديد
بالسلاسلِ بالسِّياطِ مُجَدَّلة
أي عبدي ذُقْ
أي عبدي ذُقْ
أتخالُ أنّ الحُبَ مثلَ أفلامٍ ثُمثّلُ
في المطارحِ و المسارحِ
و المحلاتِ الشهيرة!!
أتخالُ أنّ الحبَ أُمنيةً أوُ اغْنيةً
أُقصوصةً تبدو حكايةَ مُستطيرة!!
أو أنهُ ديوانُ شِعرٍ
أو كدفترِ ذكريات
أتظُنُّ أنّ الحُبَ مثلَ مسلسلٍ
يبدا بآهٍ
ثم يُنهى بالعطايا و الهِبات!!
أتظُنُ أنَ الحُبَ أرطالاً
من الرّومانس!!
أو أحمرا شفاه
و قرطً ماس!!
سيجارةً أو ساعةً ذهبيةً
سيارةً تقتادٌها
و فخامةً
أو نٌزهةً تعتادٌها
أو فٌسحةُ ترتادٌها
و وسامةً!!
أو حريراً أو سريراً
أو كتاباً أو صريراً
تُهديها فُستاناً
و علبةَ مكياجات!!
أي عبدي إنّ الحُبَ يبدو جنّةً
غرّاءَ لكن
إنّما حُفّت بسورٍ من جحيم
أي عبدي
لا ما المحبّةُ شهوةً
أو نزوةً
أو قبلةً
أو ضمةً
أو رغبةً تُشبَع
أي عبدي لا
إنّ المحبّةَ صورةٌ نفسيةٌ
في أختِها تُطبَع
أو نزوةٌ مجنونةٌ بجماحه تُصرع
أي عبدي لا
إنه موقدٌ تحمى عليه الروح
ثم تقلب
حتى تُنقّى
و الشوائبُ من صفاها تُسحَب
و القلبُ منهُ الغلُّ
و الأمراضُ
و الأسقامُ
و الأدرانُ
تُمحقُ تُنتَفَى
حتى يُصَفّى المرءُ حالاً
بعدُ عندي يُصطفى
الحُبُ دَربٌ للهُدى
الحبُ نورٌ للطّريق
الحبّ سِفرٌ للمعالي يُقتَفى
أي عبدي فاصبِر
فالاختباراتُ الرّهيبة
و الامتحاناتُ العصيبة
و النوائبُ
و المصائبُ كُلُّها
مصفاةُ روحِكَ
كي تَرقّى سُلّماً
فتطالُ منه النجمَ
و الشِّعرى سويّا
 و الفرقدين
و السماكين الثريّا
لا لن تنالَ الحبَ إلا
ان نلتَ بلوى


***








-3-



فاستدمَعَتْ عيناي
تحتَ سنابِكِ الخيلِ الأَصيل
و استروَحَتْ نفسي
و لم أسطِعْ لأَرنو في عيون ٍ
قد بدا لي في مُحيّا صاحبي
أن يستهينَ بقِتلَتي
بالشّكلِ ذا
بل قد تهيّأ موتتي
و تلذذا
فأنا لجنبِ المجرمِ السّفاحِ لكن
قد أُمرت بأن أُقرّ و أَعترِف
و قد نُهِيتُ عنِ التّصدِّي
أو أُهاجِمَ
أو أُخاصِمَ
من غريمي أنتصِف
فقعدتُ أطرَبُ كالثّكالى
حينَ تُطرِبُها الفجيعةُ
بالبكاءِ على اليتامى
و أخافُ كلّ الخوفِ
أستحيي محاورةَ القَدَر
أو أن أُراجِعَ ذي الجلالِ
بما قضى و بما قَدَر
فأنا الذي استقصدتُ شَمّ الوردِ
و الأزرارُ تُغرِي
فانقتَلتُ بشَوكِهِ
و أنا الذي اعتدتُ الضّلالةَ
والغوايةَ والهوى
و أنا الذي أنفقتُ عُمري
بين نهدٍ قائمٍ
و تبِعتُ نهداً هائماً لما هوى
و أنا الذي ضيّعتُ عمري تائهاً
في الأسرّةِ والشّفاه


***










-4-


فأنا الذي شهِدَتْ بقاعُ الأرضِ أني
قد أقمتُ بها سفاراتِ النساء
حتى ابتنيتُ بكلِّ
ريعٍ آيةً
في كلِّ عاصمةٍ سفارة
و لقد أُسيِّرُ كُلّ قافلةٍ
و لا أنوي العبادةَ
لا و لا حتى التجارة
أهوى النساء
أشقى لأجلِ الثّدي
أو حتى لبيتٍ فيه صلصةُ من نساء
تتغلغلُ الأشعارُ ضمنَ حشاشتي
لا أدري لم!!
و بهنّ تُشفى كُلُ أمراضي
و حتّى الجُرحُ
لِمْ؟؟
لا أدري لِمْ
***
حتى لقد شَيّدتُ في
شتى العواصِمِ
تِمثالاً لنَهدٍ لم يُجاوِز
عَقدَه  الثاني
نهدٌ من العاجِ اليماني
زخرفتُه بحُليّ كِسرى
 و التاجُ بل و سِوارُه
أنّقتُه بالماس
و جلبتُ خُدّاماً
لسِدانةِ النّهدِ العريق
و له له حُرّاسُ
فأُقبِّلُ التِّمثالَ
أُعانِقُ التِّمثال
أطوفُ بالتِّمثَال
قبلَ أو بعدَ الزِّيارة
شيّدتُ في كُلِّ العواصم
***
و أنا الذي عُرفتُ في التّاريخِ أني
كعبةُ النسوان
و أنا الذي
قالتْ رجالاتُ الدياناتِ القديمةِ
أني معبدُ النسوان
و أنا الذي صَنّفتُ جغرافيا النِّساء
حتى لكادَ يمُرُ في ذكريَ
التوراةُ و الإنجيلُ
و التلمودُ لكن
ما قرأتُ بأنني
سأُداسُ تحتَ سنابِكِ الخيلِ الأصيل
في كل تلك و كل ذلك
كُلُ فلسفةِ الأوائلِ والأواخرِ
في كلِّ ما ألّفتُ
في كلِّ ما صنّفت
عشرونَ عاماً قد قضيتُ
بخبرةِ النسوان
عشرونَ عاماً قد قضيتُ
على الأسرةِ و النُّهود
بين أثداءِ النساء
عشرونَ عاماً ليتها
كانت كثلجٍ أسودٍ
في الصيفِ يهطُلُ
أو بصَقيعِ الشّتاء


***



-5-


عشرونَ عاماً أو تزيد
أرسلتُها
كَلُفافةِ التبغِ التي
دخّنتُها في مَكسيكو
و كَقُبلةٍ في الهِندِ
أسفلَ معبدِ البوذِ الذي
تعلوهُ أصنامُ النساء
قد خِلتُ قُبلتي تلكَ دامت
نصفَ عامٍ
أو يزيد
***
عشرونَ عاماً أو تزيد
رأيتُها كسحابةٍ
في جوّ باريسَ المحببِّ في الشتاء
أو أنّها رُوسيّةٌ في فندقٍ
في حيّ هونغ كونغَ الفقير
هي آيةٌ بجمالِها
هي فتنةٌ بكمالِها
تبدو رخيصةَ كي تصيرَ بلا ثمن
لكن تنالُ بها سِقاماً
في غدٍ أغلى ثَمَن
تُبديها عمرَك كي تُريقَ سِنيّه
فوقَ الدِّمَن
***
عشرونَ عاماً أو تزيد
كانت ككأسٍ من نبيذٍ في نُزُل
أو مسرحٍ في وسْطِ مدريد
أو مرقصي ذاك البعيد
أو أحتسيه على سراج الكوخ
و ضميري الشهيد
أو فوق سرج الخيل في البيداء أو
في لندن البيضاء
و المحروقة الممزوجة الملعونة الحمقاء أو
في متحف الشيطان
وعباءة ساتان
مع تاجر الخيطان
فنحدث الحيطان
و بكل كأسٍ قائلين:
لا لن نزيد
عشرون عاماً تلك كانت كالمنام
يا ليتها كانت كخيطٍ أسودٍ تحت الظلام.

***
عشرونَ عاماً أو تزيد
و لطالما بفنادقِ الغَربِ اْغتَرَبتْ
و إلى مسابِحِهِم نَزَلت
و في مسابِحِهِم
تَرى الأميرةَ و الفقيرةَ
كُلُهُنَّ هُنا سواء
فهُنا بلا تمييز بينَ ملابسٍ غربيّةٍ
أو جُبّةٍ عربيّةٍ
فتُميّزُ الحسناءَ من لونِ النُهود
فَهُنا هُنا نزعُ الكِساءِ معِ الحياءْ
فهُنا التَّعرّي واجبٌ
و هنا الخلاعةُ غايةٌ
و هُنا هُنا كُلّ النِّساءِ هُنا سواء
كُلّ النِّساءِ هُنا بِسُوقٍ  مَعْ نُهودٍ مع خُصورٍ
لا لا كساءٌ أو حذاء
***



-6-

عِشرُون عاماً بينَ أَثداءِ.
النّبيذُ مع الحشيشِ
جريدةً في قَبضتي
و كأنّها أُرجوزةٌ رتّلتُها
بالرّوشةِ  السُّفلى و قد
كانتْ ببيروتَ العتيقةِ
ألفَ أُغنيةٍ سمِعت
و بجوفِ نهرِ الموتِ  كم
أمسيتُ أسبحُ
طالما فيهِ غرِقتْ
أمسيتُ أسكر
طالما فيه ثمِلت
***
بيروتُ كانتْ ذِروةً لي في السنين
بيروتُ كانت مَصيفاً
مشتىً و حتّى مربعاً
بيروتُ لم أشتقْ إليها
بيروتُ كُنتُ مسافراً
في زُرقةٍ في بحرِ عينيها
و تحتَ الصخرةِ الملساء
في الجبلِ الأشم
يا طالما ليلي قضيت
***
عشرونَ عاماً أو تزيد
في كل عامٍ كنتُ أصعدُ في الجبلِ
أرقاهُ من بيروتَ
أرقى عالياً
كَمُحلِّقٍ أو رائدٍ يغزو الفضاء
حتى يخالُ بأنّه
يستدبرُ الأرضَ الغريبة
يا جوّ بِسكَنتا  العجيب
يا جوّ بِسكَنتا الغريب
يا جوّ بِسكَنتا بها
خمرٌ و نهدٌ
بل نهودٌ مع حشيشٍ مع صليب
بِسكنتا كم عُشّقتُ فيكِ النهدَ الاَبيض
قد توسّطَهُ الصّليب
بِسكنتا فيكِ النهدُ يُغسَلُ كُلّ صُبحٍ
بالسّذاجةِ و الحليب
بِسكنتا فيكِ النهدُ يبدو
مثلَ آياتِ الجبل
يبدو عزيزاً
بل منيعاً
مثلَ حِصنٍ
قد تعالى عنِ القُبَل
ثم يبدو مرتعاً حُلواً خصيب
***









-7-


يا بعلبكَّ لك انتقلتُ بمعشري
فيكِ الطهارةُ و السماحةُ و الوفا
و كم استقيتُ من الترابِ
ترابِكِ الغالي الذّهب
كم كنتُ أستسقي الحرامَ
و كم رضعتُ من البِقاعِ
غرائباً و مخدّرات
و كم من بريتيل  ورّدتُ اللفائفَ
بالحشيشةِ
و السحائبَ بالعجب
يا جوّ لبنانَ الحبيبة
كم قضيتُ على رُباها من سنين
كم ذرفتُ على رُباها من دموع
كم ندمتُ و كم أَسفتُ
و كم حَزنتُ و كم بكيت
هي خمسةُ الباءات خمسة
هي بعلبكُّ
أو البقاع
بريتيلُ أو بِسكَنتَا
فوقَ بيروتَ التي تبدو عروساً في الشتاء
هي خمسةُ الباءاتُ خمسة
***
و لطالما صيدا و صورَ تروّحَت
عيناي لكن لا ما رُحت
و طرابُلسَ الشرقِ الحبيبة
كم مشيتُ
و كم نزلت
***
عشرون عاماً أو تزيد
في كل عامٍ زرتُ لبنان
كنتُ أزورُ فيها
ألف مِتحف
أو كنيسة
ألف معبد
جلت فيها ألف ألفٍ
زرتُ فيها ألفَ مرقد
لكنني و لقد ذكرتُ الآن لا
ما زرتُ في لبنانَ مسجِد
لا لا وربي
عشرونَ عاماً
ما زُرتُ في لبنانَ مسجد
ما زُرتُ في لبنانَ مسجد
***
 


مع تحيات: الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه